خاتمة
قد ذكرنا في الإبانة عن معجز القرآن وجيزا من القول ، رجونا أن يكفي ، وأمّلنا أن يقنع. والكلام في أوصافه إن استقصي بعيد الأطراف ، واسع الأكناف ، لعلو شأنه ، وشريف مكانه.
والذي سطرناه في الكتاب ، وإن كان موجزا ، وأمليناه فيه ، وإن كان خفيفا ، فإنه ينبه على الطريقة ، ويدل على الوجه ، ويهدي إلى الحجة.
ومتى عظم محل لشيء فقد يكون الإسهاب فيه عيّا ، والإكثار في وصفه تقصيرا.
وقد قال الحكيم ، وقد سئل عن البليغ ، متى يكون عيبا؟ فقال : متى وصف هوى أو حبيبا.
وضلّ أعرابي في سفر له ليلا وطلع القمر فاهتدى به ، فقال : ما أقول لك؟ أقول : رفعك الله؟ وقد رفعك ، أم أقول : نورك الله؟ وقد نورك ، أم أقول : أجملك الله؟ وقد جملك!
ولو لا أن العقول تختلف ، والأفهام تتباين ، والمعارف تتفاضل ، لم نحتج إلى ما تكلفنا. ولكن الناس يتفاوتون في المعرفة ، ولو اتفقوا فيها ، لم يجز أن يتفقوا في معرفة هذا الفن ، أو يجتمعوا في الهداية إلى هذا العلم لاتصاله بأسباب ، وتعلقه بعلوم غامضة الغور ، عميقة القعر ، كثيرة المذاهب ، قليلة الطلاب ، ضعيفة الأصحاب ، وبحسب تأتّي مواقعه ، يقع الإفهام دونه. وعلى قدر لطف مسالكه ، يكون القصور عنه.
أنشدني أبو القاسم الزعفراني قال : أنشدني المتنبي لنفسه ، القطعة التي يقول فيها :
وكم من عائب قولا صحيحا |
|
وآفته من الفهم السقيم |
ولكن تأخذ الآذان منه |
|
على قدر القرائح والعلوم |
وأنشدني الحسن بن عبد الله قال : أنشدنا بعض مشايخنا للبحتري :
أهزّ بالشعر أقواما ذوي سنة |
|
لو أنهم ضربوا بالسيف ما شعروا |
عليّ نحت القوافي من مقاطعها |
|
وما عليّ لهم أن تفهم البقر |
فإذا كان نقد الكلام كله صعبا ، وتمييزه شديدا ، والوقوع على اختلاف فنونه متعذرا ، وهذا في كلام الآدمي. فما ظنك بكلام رب العالمين؟