فصل :
في نفي السجع من القرآن
ذهب أصحابنا كلهم إلى نفي السجع من القرآن. وذكره أبو الحسن (١) الأشعري في غير موضع من كتبه. وذهب كثير ممن يخالفهم إلى إثبات السجع في القرآن ، وزعموا أن ذلك مما يبين به فضل الكلام. وأنه من الأجناس التي يقع بها التفاضل في البيان ، والفصاحة كالتجنيس ، والالتفات وما أشبه ذلك من الوجوه التي تعرف بها الفصاحة.
وأقوى ما يستدلون به عليه اتفاق الكل على أن موسى أفضل من هارون عليهماالسلام ، ولمكان السجع قيل في موضع (هارُونَ وَمُوسى) (٢) ولما كانت الفواصل في موضع آخر بالواو والنون قبل (مُوسى وَهارُونَ) (٣) قالوا : هذا لا يفارق أمر الشعر ؛ لأنه لا يجوز أن يقع في الخطاب إلا مقصودا إليه.
وإذا وقع غير مقصود إليه ، كان دون القدر الذي يسمى شعرا. وذلك القدر ما يتفق وجوده من المفحم ، كما يتفق وجوده من الشاعر. وأما ما في القرآن من السجع فهو كثير ، لا يصح أن يتفق كله غير مقصود إليه. ويبنون الأمر في ذلك على تحديد معنى السجع.
قال أهل اللغة «هو موالاة الكلام على وزن واحد». قال ابن دريد (٤) : «سجعت الحمامة معناها رددت صوتها». وأنشد :
طربت فأبكتك الحمام السواجع |
|
تميل بها ضحوا غصون نوائع |
النوائع الموائل ، من قولهم جائع نائع أي متمايل ضعفا. وهذا الذي يزعمونه غير
__________________
(١) أبو الحسن الأشعري هو : علي بن إسماعيل بن إسحاق الأشعري ، من ولد أبي موسى الأشعري ، صاحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم. مات سنة (٣٢٤). له ترجمة في : تاريخ بغداد ١١ / ٣٤٦ ، ووفيات الأعيان ٣ / ٢٨٤ ، وشذرات الذهب ٢ / ٣٠٣.
(٢) آية (٧٠) سورة طه.
(٣) آية (١٢٢) سورة الأعراف.
(٤) ابن دريد هو : أبو بكر محمد بن الحسين بن دريد الأزدي ، ولد بالبصرة ، ونشأ وتعلم فيها ، وقد نبغ في اللغة ، وكان من أكابرها ، مقدما فيها. مات سنة (٣٢١). له ترجمة في : تاريخ بغداد ٢ / ١٩٥ ، وشذرات الذهب ٢ / ٢٨٩ ، ووفيات الأعيان ١ / ٤٩٧.