فصل :
في أن نبوة النبي صلىاللهعليهوسلم
معجزتها القرآن
الذي يوجب الاهتمام التامّ بمعرفة إعجاز القرآن ، أن نبوة نبينا عليهالسلام بنيت على هذه المعجزة. وإن كان قد أيّد بعد ذلك بمعجزات كثيرة ، إلا أن تلك المعجزات قامت في أوقات خاصة ، وأحوال خاصة ، وعلى أشخاص خاصة ، ونقل بعضها نقلا متواترا يقع به العلم وجودا. وبعضها مما نقل نقلا خاصا ، إلا أنه حكى بمشهد من الجمع العظيم ، أنهم شاهدوه. فلو كان الأمر على خلاف ما حكى ، لأنكروه ، أو لأنكره بعضهم ، فحل محل المعنى الأول ، وإن لم يتواتر أصل النقل فيه. وبعضها مما نقل من جهة الآحاد ، وكان وقوعه بين يدي الآحاد.
فأما دلالة القرآن فهي عن معجزة عامة عمّت الثّقلين ، وبقيت بقاء العصرين ، ولزوم الحجة بها في أول وقت ورودها إلى يوم القيامة ، على حدّ واحد ، وإن كان قد يعلم بعجز أهل العصر الأول عن الإتيان بمثله ، وجه دلالته ، فيغني ذلك عن نظر مجدّد في عجز أهل هذا العصر عن الإتيان بمثله ، وكذلك قد يغنى عجز أهل هذا العصر عن الإتيان بمثله ، عن النظر في حال أهل العصر الأول.
وإنما ذكرنا هذا الفصل لما حكى عن بعضهم أنه زعم أنه وإن كان قد عجز عنه أهل العصر الأول ، فليس أهل هذا العصر بعاجزين عنه. ويكفي عجز أهل العصر الأول في الدلالة أنهم خصّوا بالتحدّي ، دون غيرهم. ونحن نبين خطأ هذا القول في موضعه.
فأما الذي يبين ما ذكرناه من أن الله تعالى ، حين ابتعثه ، جعل معجزته القرآن وبنى أمر نبوته عليه سور كثيرة ، وآيات نذكر بعضها ، وننبه بالمذكور على غيره. فليس يخفى بعد التنبيه على طريقه ، فمن ذلك قوله تعالى : (الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (١) فأخبر أنه أنزله ليقع الاهتداء به ، ولا يكون كذلك وإلا وهو حجة ، ولا تكون حجة إن لم تكن معجزة. وقال عزوجل :
__________________
(١) آية (١) سورة إبراهيم.