فالأسلوب الثاني يربط العمل بالله في دوافعه وخطواته ونتائجه ، في حين لا يمثل الأسلوب الأول إلا التأكيد على طبيعة العمل ؛ مما لا يحقّق للإنسان عمقا وحبا للعمل ، بينما يتحقق ذلك من خلال الفاعلية الروحية للتقوى في الحياة. وهذا ما يستهدفه الإسلام في تخطيطه لبناء الشخصية الإسلامية ، في تشريعه الذي يريد أن يجعل من التزام الإنسان بأحكام الله ، حركة يومية تجدّد في داخله الإحساس الدائم بحضور الله ومسئوليته في إطاعة أوامره ونواهيه ، لئلا يكون هناك خلل في داخل الشخصية بين طبيعة الإيمان والعمل ، بل على العكس من ذلك ، يقوم كل منهما لدعم الآخر.
هذا ما يجب أن يركزه في أسلوب التربية للمؤمنين ، لا سيما العاملين منهم ، من أجل الابتعاد عن الجفاف الروحي الذي قد يعانيه المؤمن من جرّاء التأكيد على جانب العمل بعيدا عن روحية التقوى. وقد يكون لذلك قيمة أخرى تربوية ، وهي الحفاظ على حيوية الكلمات القرآنية وتحريكها في حياة الناس ، وتحويلها إلى طاقة فاعلة تمد الإنسان بالتجدد والحركة ، وإبعادها عن المفاهيم الضيقة التي ربما تختزنها في الممارسات المتخلفة ، التي يمارسها المؤمنون في بعض مواقع التخلف ومراحله ، كما حدث لكلمة «التقوى» التي أخذت معنى تقليديا يجعلها من الكلمات المحبوسة في نطاق الأعمال العبادية والأخلاق الفردية ، بعيدا عن حياة الناس العامة. وفي هذا الإطار التربوي ، تبقى الكلمات علامة على الشخصية الإسلامية ورمزا من رموزها ، في حركة تأثر وتأثير في الواقع الداخلي والخارجي للإنسان.
* * *
والتقوى ـ في ما نفهمه ـ هي الإسلام بمعناه الحيّ المتحرك. فقد يمكن لقائل أن يقول : إنها التلخيص العملي لكلمة الإسلام ، لأنها تشمل الجانب الفكري الذي يمثل العمق الداخلي ، والجانب العملي الذي يمثل