الطمع التي قد يثيرها الشعور بالأمن من العقوبة ، على أساس فقدان القوة الذاتية التي يستطيع اليتيم أن يدافع بها عن نفسه ، وانعدام القوة البديلة التي تتولى التعويض عن ذلك ، حتى لا يمتنعوا عن إعطاء الأيتام أموالهم الموجودة لديهم ، أو يستبدلوا بالجيّد الرديء ، وبالطيب الخبيث للحصول على بعض المنافع والامتيازات ، أو إضافة أموال الأيتام إلى أموالهم ببعض الوسائل غير الشرعية. واعتبر هذه الأعمال إثما كبيرا يستحق الإنسان عليه العقاب الكبير لدى الله.
(وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) الذين عاشوا في حضانتكم وولايتكم ، فكانت أموالهم في عهدتكم لأجل المحافظة عليها وتنميتها لتسلموها إليهم إذا بلغوا سن الرشد كما يسلّم كل أمين أمانته من دون تغيير أو تبديل (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ) ، والرديء ، (بِالطَّيِّبِ) من مال اليتيم لتجعلوه في حصّته تحت تأثير الادعاء بأن ذلك هو الذي يضمن مصلحته ، بلحاظ أن بقاءه قد يؤدي إلى ضياعه ، لأنه لا فرق بينه وبين الدليل. وهو كناية عن عدم التصرف فيه تصرفا يوجب نقصانه والإساءة إلى ماليته ، لأن الولي أمينٌ على مال اليتيم ، فلا بد له من مراعاة المصلحة في تصرفه عند استبداله بغيره ، فلا يأخذ الخسيس والرديء عوضا عنه ، (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) ، أي لا تضمّوها إلى أموالكم ليكون المال كله لكم ، لأنها أمانة الله عندكم ، مما يجعل من ذلك خيانة للأمانة ، من دون فرق في ذلك بين حاجتكم إليها واستغنائكم عنها (إِنَّهُ كانَ حُوباً) ، أي إثما عظيما ، وربما كان في كلمة «الحوب» التي هي على حقيقتها ، كما قال الراغب : «الحاجة التي تحمل صاحبها على ارتكاب الإثم» ، ما يوحي بأن هذا السلوك الخياني ربما كان منطلقا من حاجة الولي القائم على مال اليتيم إلى الأخذ منه ، لأن ذلك هو الغالب في أمثال هذه الموارد ، وربما كانت الكلمة في استعمالاتها العرفية مجردة عن خصوصية هذا المعنى لتأخذ معنى الإثم بشكل مطلق ، والله العالم.