ولعلّ هذا التأكيد القرآني على عدم الإضرار بمال اليتيم ، سواء أكان ذلك بتبديله بالأدون أم بمصادرته واغتصابه ، ينطلق من إيجاد حالة من الخوف الداخلي لدى الإنسان من الوقوع في الإثم الكبير الذي ينتهي به إلى عذاب الله من أجل إيجاد ضمانة روحية تحمي اليتيم من ضياع ماله لدى الذين يتولون أمره شرعيا أو عرفيا ، أو الذين يملكون القوة الغاشمة التي تتيح لهم إمكانية التسلط على الضعفاء في أنفسهم وأموالهم. فإن التربية الإسلامية تعمل على تركيز العقدة الذاتية في نفوس الناس المانعة لهم من الذهاب بعيدا في الاتجاه المنحرف ، بالإضافة إلى السلطة التي يمنحها الشرع للسلطات الشرعية في معاقبة هؤلاء ومنعهم من ظلم الضعفاء في الدنيا على أساس القانون الإسلامي.
* * *
إن هذا التوجيه الإلهي هو أحد مظاهر التقوى العملية التي دعت إليها الآية الأولى ، وذلك من خلال ما يفرضه من الوقوف عند حدود الله ، وما يدعو إليه من الالتزام بأوامر الله ونواهيه ، وما يثيره في النفس من الشعور بالخوف من الله ومن عقابه والرغبة في رضاه وفي ثوابه وهذا ما يمكن أن يحقّق المناعة الطبيعية ضد الانحراف ، لأن مثل هذه الأمور ، التي يستطيع الكثيرون اللعب على ظروفها ، قد تفسح المجال لكثير من هؤلاء الناس القيام بعملية التفاف عليها ، في ما يريدونه من خيانة ، وما يعملون له من غايات وأهداف ذاتية ، لا سيما في الحالات التي لا يملك فيها الأيتام أيّه مستندات تثبت حقوقهم ، أو أية معرفة للآخرين في ذلك ، كما قد يحدث غالبا. ولهذا كان التأكيد شديدا وذلك من خلال قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً).
* * *