رابعا : ليست كثرة النسل قيمة سلبية دائما
أما موضوع كثرة النسل وتأثيره على الواقع الاقتصادي للعائلة وللأمّة ، فإنه حديث يلتقي بأكثر من جانب مع حركة الواقع ، فقد تحتاج الأمة في بعض ظروفها إلى الكثرة ، وقد تفرض عليها ظروفها القلّة ، وقد يأتي ظرف آخر ليفرض حالة من التوازن بين الأمرين ، فليست الكثرة قيمة سلبية دائما وليست القلة قيمة إيجابية دائما ؛ بل هي ، ككل القيم التي تستمد عناصرها من خارج الذات ، خاضعة للظروف الموضوعية المحيطة بالساحة ؛ وهذا ما نواجهه في واقعنا المعاصر الذي نجد فيه بعض الدول ـ حتى المتحضّرة ـ تمنح الامتيازات المادية للعائلة الكبيرة ، انطلاقا من حاجتها إلى النمو العددي للأمة ، مع وفرة مواردها الاقتصادية ، بينما نجد بعض الدول الأخرى ، الغارقة في مشاكل اقتصادية كبيرة ، تمارس نوعا من الحرب على تكثير النسل لتحفظ اقتصادها من الانهيار.
وهناك نقطتان لا بد من إثارتهما في هذا الجانب من الحديث :
الأولى : إن التعدد لا يلتقي أبدا مع كثرة النسل ، فقد تستوي الكثرة مع الوحدة في حالات فقدان الضوابط لتنظيم النسل ؛ فإذا لاحظنا وجود الوسائل الشرعية المتنوعة لتنظيم الأسرة في هذا المجال ، أمكننا السيطرة على الموضوع في حالتي الوحدة والتعدد وإلغاء المشكلة من الأساس.
الثانية : إن هناك في عقيدة المؤمن ، جانبا غيبيا يلتقي فيه بالله الذي يرزق من يشاء من حيث لا يحتسب ، فإن الله ينزل المؤونة على قدر المعونة ، فلا تخضع المسألة للحسابات المادية فحسب ، بل هناك أكثر من جانب غيبي يحرك الواقع إلى أكثر من حلّ في نطاق رحمة الله.
* * *