مسألة في الطعام والشراب والكلام .. وغير ذلك مما يحتاجه الإنسان في حياته الخاصة ، وكاليدين اللّتين هما الوسيلتان لأكثر من حاجة في أعماله الخاصة به وبالنّاس ، ويبقى للمسح معنى الإيحاء بضرورة التوفر على الرأس والرّجلين بين وقت وآخر.
هذا في الوضوء ، أمّا في الغسل الّذي تحدثت الآية عن سببيّة الجنابة له ، فإنّ هناك أكثر من سبب له ، من غسل الحيض والاستحاضة والنفاس للنساء ، وغسل مسّ الميّت ، إلى جانب الأغسال المستحبة كغسل الجمعة ونحوه ، ممّا يتمثّل في تطهير البدن كلّه باعتبار أنّ المناسبات قد تتصل ببعض الآثار الماديّة المنفتحة على بعض الحالات النفسيّة في استقذار الحديث الّذي يترك تأثيره على الجسد كلّه من ناحية معنويّة أو شعوريّة ، أو في إزالة الخوف عند مسّ الميّت نتيجة الوهم الذاتي الّذي قد يوحي بانتقال الموت إلى جسد الإنسان الماسّ ، الأمر الّذي قد يزيل الغسل إيحاءاته السلبيّة بالحيويّة الّتي يمنحها للجسد لجهة تجدد الحياة فيه .. وهكذا ينفتح الغسل على الجانب الذاتي والاجتماعي في المناسبات العامّة الّتي يلتقي فيها بالنّاس كالجمعة والعيدين .. وغيرها بما يفرض عليه أن يخرج إليهم نظيفا طاهرا ، مما يجعل من الطهارة البدنية سلوكا عامّا متحركا في الحياة الخاصة والعامّة للإنسان.
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، فإنّ اشتراط قصد القربة في الغسل ، الّذي لا يصح منه إلّا إذا أتى به بقصد الطاعة لله أو محبوبيّة الله له ، أو بنية التقرّب إليه ، يوحي بأنّ القضيّة لا تتصل بالجانب المادّي الجسدي ، بل تمتد إلى الجانب الروحي الّذي يتمثّل فيه المعنى الإيحائيّ بأنّ الطهارة البدنيّة تقرب الإنسان إلى الله ، وترفع بمكانته عنده ، فلا تبقى مجرّد حاجة جسديّة للنظافة ، بل تتحول إلى حاجة روحيّة توحي بالطهارة الروحيّة الّتي تمتزج بالممارسة الماديّة بحيث تمثّل لونا من ألوان التربية المتحركة الإيجابيّة التي توحي للإنسان بأنّه كلّما ازداد نظافة ازداد قربا إلى الله ، وهذه ما توحي به الأحاديث