( و ) الثالث : أن ( لا ) يسمّيه الشارع ( مشعراً ) ومحلاًّ ( للعبادة كعرفة ومنى ) ومزدلفة ، بلا خلاف فيه في الجملة ؛ للأصل ، واختصاص النصوص الدالّة على تملّك الأرض بالإحياء بحكم التبادر بغير الأراضي المزبورة ، مع ما في تسويغ إحيائها من تفويت الغرض ومنافاته البغية فيها والحاجة.
لكن مقتضى هذا التعليل المنع عن إحياء الكثير منها خاصّة الذي يؤدّي إحياؤه إلى الضيق على الناسكين ويحتاج إليه غالباً ، وأمّا ما عداه فلا يدلّ على المنع فيه أصلاً ، ولذا استثناه الماتن على ما حكي عنه فجوّز إحياءه (١). ونفى البعد عنه في المسالك قال : إلاّ أنّ الأشهر المنع مطلقاً (٢).
وهو كذلك لو كان الأصل الجواز والنصوص الدالة عليه عامّة ، وهما ممنوعان كما تقدّم. والأصل يقتضي العدم كما عليه الأكثر. وعلى غيره ففي بقاء حق الوقوف فيما يملكه المحيي أوجه ، يفرق في ثالثها بين ضيق الموقف فالبقاء ، وعدمه فلا. والحكم بالملك يأبى القول بالجواز مطلقاً إلاّ أن يجعل مراعىً بعدم الإضرار فيكون التفصيل متوجّهاً.
( و ) الرابع : أن ( لا ) يكون ( مقطعاً ) من إمام الأصل لغيره ، ولا محمى له ، ولا لنفسه ، كما أقطع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الدور وأرضاً بحضرموت ، وحُضْر فرس الزبير (٣) بالحاء المهملة والضاد المعجمة وكما حمى النقيع لإبل الصدقة ، ونعم الجزية ، وخيل المجاهدين في سبيل الله سبحانه (٤).
__________________
(١) الشرائع ٣ : ٢٧٤.
(٢) المسالك ٢ : ٢٩٠.
(٣) مسند أحمد ٢ : ١٥٦ ، سنن أبي داود ٣ : ١٧٣ / ٣٠٥٨ و ١٧٧ / ٣٠٧٢ ، سنن الترمذي ٢ : ٤٢٠ / ١٣٩٩ ، سنن البيهقي ٦ : ١٤٤.
(٤) الكافي ٥ : ٢٧٧ / ٥ ، التهذيب : ١٤١ / ٦٢٥ ، سنن البيهقي ٦ : ١٤٦.