الخلق؟ وكيف تنتهي بكم الحياة؟ ليس هناك غير الله ، حاولوا أن تلتفتوا يمينا وشمالا ، ومن بين أيديكم ومن خلفكم ، فلا ترون إلا مخلوقات مثلكم ، لم تكن ثم كانت كما لم تكونوا ، ثم صرتم بشرا سويّا. ثم استنزفوا كل طاقتكم في التفكير ، فهل ترون غير الله؟ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ).
وهذه قدرة الخالق الذي خلق البشر على أحسن صورة ، ونفخ فيه من روحه كما قال تعالى : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ* فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) [الحجر : ٢٨ ـ ٢٩] وتلك هي قصة الإنسان في إبداع الخلق ، فهو قطعة من التراب ونفخة من روح الله وقدرته ، وتلك هي قصة آدم وحوّاء .. أما أولادهما فقد خلقهم الله من نطفة من ماء مهين .. ولكنه الماء الذي تأتّى من الغذاء.
ويحثّ القرآن الإنسان على التفكير في ذلك كله .. كيف تدبّ الروح في التراب؟ وكيف تتحرك الحياة في الجماد الميّت؟ وكيف تحمل النطفة سرّ الحياة بكل تفاصيلها وألوانها ومشاعرها وطاقاتها؟! ويتعمق الفكر في كل اتجاه من حركة المادّة ، فلا يجد إلا الجدران الباردة تضرب رأسه بالحيرة ، ولكنه يستفيق على الحقيقة التي تشير إليه نحو الأفق البعيد عن المادّة والحدود والسدود ، ليجد الله في قدرته ، يبعث الروح في الجماد ، وسرّ الحياة في النطفة.
* * *
الأجل المحتوم والأجل المخروم
(ثُمَّ قَضى أَجَلاً) لهذا الإنسان ، فليس هناك خلود في الدنيا ، لأن طبيعة المادة لا تحمل سرّ الخلود ، فلكل نفس أجل لا بد من أن تنتهي إليه ولا يمكن أن تتعداه في النظام الكوني الذي أودع الله في حناياه عمر كل شيء من