ولذلك لم يكن خبر اليهود والنصارى عن قتل عيسى وصلبه موجبا للعلم ولا خبر المجوس عن إعلام زردشت موجبا للعلم لأن النّصارى وإن تواتر نقلهم في الأعصار المتأخرة فإنهم يعزون خبرهم إلى أربعة زعموا أنهم هم الذين كانوا مع المسيح في الوقت الذي أقدم عليه اليهود بالقتل بزعمهم. ولو كان أتباع المسيح عليهالسلام في ذلك الوقت عدد أهل التواتر لدفعوا عنه اليهود لا سيما وقد زعموا أن الذين قصدوه من اليهود كانوا ثلاثين والتواطؤ على هذا المقدار من العدد جائز والتواطؤ على ضعف هؤلاء جائز فضلا عنهم. فأما نقلهم عن مشاهدة شخص مصلوب فهو صحيح وإنما الكلام في ذات المصلوب هل كان عيسى أو المشبّه به في الصورة ، وبعضهم يزعم أن الذي دل عليه من أصحابه هذا الذي ألقي عليه شبهه فقتل دونه ثم أن دعاويهم في المسيح منافية لنقلهم قتله لأن منهم من يزعم أنه إله ، ومنهم من يزعم أنه أحد أقانيم الإله القديم ، وأيهما كان بزعمهم وجب استحالة حلول القتل به. وأما نقل المجوس أعلام زردشت فمنسوب إلى كشتاسب أنه أخبرهم بأنه شاهد أعلام زردشت والخبر الراجع في أصله إلى واحد أو طائفة يجوز عليها التواطؤ لا يكون موجبا للعلم الضروري. ومن شروط التواتر أيضا أن يكون ناقلوه في العصر الأول قد نقلوه عن مشاهدة أو علم بما نقلوه ضرورة كنقلهم أخبار البلدان التي شاهدوها ونقلهم أخبار الأمم [التي] (١) شاهدها أهل العصر الأول من المخبرين عنهم وكنقلهم الأخبار عن الزلازل في الحر والبرد وسائر الأحداث في الأزمنة الماضية ونحوها (٢).
فأما أن تواتر الخبر في شيء يعرف صحته بالنظر والاستدلال فإنه لا يوجب العلم ولهذا لا يقع للدهرية وسائر الكفرة العلم بصدق أخبار المسلمين عن صحة دين الإسلام لأن صحة الدين معلومة بالنظر والاستدلال دون الضرورة (٣).
__________________
(١) في المطبوع «الذين».
(٢) فإن تواتر النقل في شيء وطريق العلم به الاستدلال والنظر وطريق الخطأ الشبهة فإن ذلك التواتر لا يوجب علما].
(٣) [ولذلك أهل الكفر كل صنف منهم يتواتر نقلهم الخبر عن صحة أديانهم بشبه ، اعترضت