وأما أخبار الآحاد الموجبة للعمل دون العلم فلوجوب العمل بها شروط :
أحدها اتصال الإسناد (١).
والشرط الثاني : عدالة الرّواة فإن كان في رواته مبتدع في نحلته أو مجروح في فعله أو مدلّس في روايته فلا حجة في روايته.
والشرط الثالث : أن يكون متن الخبر مما يجوز في العقل كونه. فإن روى الراوي ما يحيله العقل ولم يحتمل تأويلا صحيحا فخبره مردود [و] لهذا رددنا خبر أبي مهزم عن يزيد [بن أبي سفيان عن أبي هريرة أن الله تعالى أجرى فرسا ثم خلق نفسه عن عرقه لأن هذا يستحيل كونه مع كون رواته وهو أبو مهزم اسمه سعيد ضعيفا فكانت روايته مردودة عليه] لاستحالة هذا في العقول. وإن كان ما رواه الراوي الثّقة يروع ظاهره في العقول ولكنه يحتمل تأويلا يوافق قضايا العقول قبلنا روايته وتأوّلنا على موافقة العقول كما روى أن الله خلق آدم على صورته وتأويله أنه خلقه حين خلقه على الصورة التي كان عليها في الدنيا لئلا يتوهّم متوهّم أنه لما أخرج من الجنة عوقب بتغيير صورته كما عوقبت الحيّة بتغيير صورتها عند إخراجها من الجنة. وكذلك ما روي أن الجبّار يضع قدمه في النار صحيح وتأويله محمول على الجبار المذكور في قوله تعالى : (وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ، مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) (٢) ومثل هذا كثير [قد أوردناه في كتبنا]. ومتى صح الخبر ولم يكن متنه مستحيلا في العقل ولم يقم دلالة على نسخ حكمه وجب العمل به كما يجب على الحاكم الحكم بشهادة العدول إذا لم يعلم جرحهم مع إمكان الخطأ أو الكذب على شهود والحكم جار على الظاهر.
__________________
ـ لهم ولأسلافهم فيها ولا يقع من خبرهم علم ومتى وقع التواتر في أصله عن شيء علمه الناقلون بالحس أو الضرورة وقع العلم بخبرهم على العادة المعتادة فيه].
(١) [في قول الشافعي وأصحابه لأنهم لا يرون الاستدلال بالمرسل صحيحا ورأي مالك : مراسيل الصحابة حجة ، وأما أبو حنيفة رأى الاحتجاج بالمراسيل كلها في الثقات صحيحا].
(٢) سورة ابراهيم آية ١٥.