ذلك كتحريم الكفر وكفران نعم المنعم. واختلف هؤلاء فيما توسط بين هذين القسمين فمنهم من قال فيها بالحظر وبه قال عيسى بن أبان وابن أبي هريرة ومنهم من قال فيه بالإباحة وهم أصحاب الرأي وقد قال أبو بكر بن داود في كتابه كل ما لم يأمر الله تعالى به فيكون لازما ولم ينه عنه فيكون حراما فهو مباح لا يأثم فاعله في فعله ولا يحرج في تركه. وزعمت النجارية كلها وكذلك رواه بشر بن غياث عن أبي حنيفة وصاحبيه أبي يوسف ومحمد بن الحسن. وزعمت المعتزلة والبراهمة أن العقول طريق إلى معرفة الواجب والمحظور وزعم أكثرهم أن القبيح في العقل هو الضرر [الضرب] الذي ليس فيه نفع ولا هو مستحقّ [وفيهم من ادعى معرفة وجوب شكر المنعم وقبح الضرب ليس فيه نفع ولا هو مستحق في ضرورة العقل وبداهته خ] واختلف هؤلاء فيما بينهم في وجه تعليق الإيجاب والحظر على العقول. فأما البراهمة فإنهم أقرّوا بتوحيد الصانع وأنكروا الرسل وزعموا أن فرض الله على عباده المعرفة والاستدلال عليه ووجوب شكره وأنّ قلب كل عاقل لا يخلو من خاطرين أحدهما : من قبل الله عزوجل ينبّهه به على ما يوجبه عقله من معرفة الله تعالى ووجوب شكره ويدعوه إلى النظر والاستدلال عليه بآياته ودلائله. والخاطر الثاني : من قبل شيطان يصرفه به عن طاعة الخاطر الذي من قبل الله عزوجل. وأثبتوا الخاطرين عرضين وقالوا إنما وقع التكليف بهذين الخاطرين لأنه لو انفرد فيه أحد الخاطرين دون الآخر صار ملجأ إلى طاعة الخاطر الذي فيه ولا تكليف مع الإلجاء. وأما المعتزلة فإنهم وافقوا البراهمة في دعاء الخواطر إلى النظر والاستدلال وفارقوهم في إجازة بعث الرسل لغرض الدعوة [وإباحة ما حظره العقل كذبح البهائم وتسخيرهم وإيلامهم لغرض ادّعوه فيه خ]. قال أبو هاشم بن الجبائي لو لا ورود الشرع بذبح البهائم وإيلامها لم يكن معلوما بالعقل جواز حسنه لأجل الغرض. ثم اختلف المعتزلة في صفة الخواطر الداعية فزعم النظّام أن الخواطر أجسام محسوسة وأن الله خلق خاطري الطاعة والمعصية في قلب العاقل ودعاه بخاطر الطاعة إلى الطاعة ليفعلها ودعا بخاطر المعصية إلى المعصية لا ليفعلها ولكن ليتم له الاختيار بين الخاطرين. فهذا القدريّ الذي كان يكفّر من