الموسم (وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) بما كان يقوم به البعض الآخر من عمارته (كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ) فكانت حياته من أجل الحياة كلها والحق كله ، في حركة الإيمان وانطلاقة الجهاد. (لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ) لأن الله ينظر إلى الناس من خلال دوافعهم ومنطلقاتهم وآفاقهم الروحيّة في ما تمثله من الإخلاص له والإذعان لعبوديته. فلا يمكن أن يساوي بين الإنسان الذي يعيش الأفق الضيق في الأعمال الجزئية المحدودة ، وبين الإنسان الذي يعيش الأفق الواسع في أجواء الحياة كلها. فكيف تساوون بين هذين النموذجين من الناس ، أو تحاولون تفضيل الفريق الأول على الفريق الثاني؟! إنه الظلم للحقيقة وللمجاهدين في سبيله. وهذا هو الضلال بعينه ، الذي يبتعد فيه الإنسان عن أجواء الهدى ، فإذا انطلقتم في هذا الجو ، فسيترككم الله لأنفسكم ، لأنكم اخترتم ذلك من دون حجّة (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) الذين ابتعدوا عن الهدى باختيارهم وانحرفوا عن طريق الله من غير أساس ، وأهملوا طاعته ، وتركوا هداه إلى غيره ، بعد أن عرّفهم النهج السوي والصراط المستقيم.
* * *
الهجرة في سبيل الله
(الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا) وتحمّلوا ما تحملوه من هجرة الوطن ، إلى حيث يملك الإنسان حرية الحركة في الدعوة والجهاد ويبتعد عن مواطن الضغط الذي قد يعرّضه للفتنة في دينه ، وذلك دليل الإخلاص العظيم لله ، لأنه يمثل التمرّد على كل العواطف الذاتية والخصائص الحميمة ، من أجل الله وحده ، (وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) في ما بذلوه من أموالهم للدعوة والجهاد ، ومن خلال ما واجهوه من أخطار مادية ومعنوية في هذا الاتجاه ، حيث فقدوا