السخرية سلاح القوم
... وهكذا ينتهي حديث شعيب في الدعوة إلى توحيد الله ، وفي تطبيق تعليماته ، ليبدأ ردّهم عليه ، فما ذا قالوا؟ هل ناقشوا التوحيد كفكرة في مقابل فكرة الشرك؟ أو هل دافعوا عن فكرة التطفيف من الموقع الذي هاجمه شعيب؟ هل أكدوا فكرة الصلاح فيها ، في مواجهة ما أثاره من فكرة الفساد والإفساد ، لتكون القضية هي قضية فكر يواجه فكرا؟
إنهم لم يفعلوا ذلك ، بل لجأوا إلى أسلوب الإثارة لمواجهة الموقف معتمدين على السخرية ، والكلمات الاستعراضية التي لا ترتكز على حجّة أو دليل بغرض التهرّب من المسؤولية ، وتحطيمه نفسيا. وأخذوا يسخرون من صلاته باعتبارها المظهر البارز لتوحيد العبادة لله ، والخط الفاصل بين موقفه وموقفهم ، حسب ما ورد في دعوته لهم إلى عبادة الله بأسلوب الصلاة ، فحاولوا أن ينظروا إليها باستهانة وازدراء وتهكّم ، باعتبارها مصدر الإيحاء في حديثه ، فهم لم يجدوا فيها شيئا مهما ، شكلا ومضمونا ، لأنهم لا يستطيعون استيعاب المعنى الروحي العميق للصلاة ، لأن تأثيراتها لا تتمثل في الشكل ، بل تحتاج إلى المعاناة الداخلية التي تثير الفكر ، وتهز الكيان ، وتوقظ الروح.
وهكذا لم يفهموا كيف يمكن للصلاة أن تدفع النبي شعيبا إلى التحرك في موقع المسؤولية ، ليقف في خط المواجهة ، ويأمرهم بما أراد الله أن يأمرهم به ، ويشهد الله ، وهو بين يديه ، أنه قد أدّى رسالته ، وقام بمسؤوليته.
(قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) إننا نراك تصلي دائما ، ثم تنطلق لتثير معنا الحديث المستمر عن رفض عبادة الأصنام التي كان آباؤنا يعبدونها ، فصارت جزءا من شخصيتنا ، تعبيرا عن امتداد الآباء في