يستنزف طاقات الشعوب وثرواتها من أجل تحريك مصانع الأسلحة التي لا تزدهر إلا في الحروب ، مما يجعل من السياسيين في كل بلد ، عملاء طبيعيين لأصحاب تلك المصانع ، من أجل دفع الفتنة أشواطا إلى الأمام ، وإثارتها من جديد ، كلما قاربت الركود والهدوء.
* * *
الحرية الاقتصادية بين الإسلام والرأسمالية
إن حوار شعيب مع قومه يؤكد لنا «رفض الحرية الاقتصادية ، بمفهومها الرأسماليّ ، الذي لا يخضع للمفهوم الإنساني والأخلاقي ، ولا يضع موضوع الحرية المالية ضمن نطاق مصلحة الإنسان ، وتوازن الحياة ، ليسمح بما يدخل في ذلك ، ويمنع ما يخرج عنه ، في كل زمان ومكان.
وربما نشعر بالحاجة إلى التأكيد على كثير من المؤمنين ، أو العاملين في سبيل الله ، الذين يغفلون عن الخطّ الدقيق الفاصل بين الحرية الاقتصادية ـ كما تفهمها الرأسمالية ـ وبين الحرية الاقتصادية ـ كما يفهمها الإسلام ـ من خلال تشريعه الملكية الفردية وحمايته لها. إنّ الرأسمالية تطرح شعار قوم شعيب الذي عبّر عنه القرآن الكريم في احتجاجهم على منعهم من فعل ما يشاءون ، لأنهم يرون الحق لهم في ذلك كله ، بينما يطرح الإسلام شعار شعيب : قال (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) ، وقوله : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ). فهو يؤمن بالملكية الفردية بشرط ألا يستغلها أصحابها في إفساد البلاد والعباد ، سواء في ذلك مصادرها ومواردها. فإذا تحوّلت إلى عنصر إفساد ، وقف الإسلام ليقيّدها ، بكل قوّة وعنف ، لتجري الحياة على أساس من الحرية الملتزمة ، لا الحرية المنفلتة» (١).
__________________
(١) فضل الله ، محمد حسين ، الحوار في القرآن ، دار الملاك ، ط. الخامسة ، ١٩٩٦ م ١٤١٧ ه ، ص : ٣١٠ ـ ٣١١.