حديث موسى عليهالسلام وفرعون
ويتابع الله حديث الأمم السالفة ، والطواغيت الذين طغوا وبغوا وتمرّدوا على الله ، ويدعو إلى أخذ العبرة من ذلك كلّه ، ويختصر الله في هذه السورة قصة موسى عليهالسلام مع فرعون من الجانب الذي كرّس أجواء السورة لإثارته ، وهو جانب النهايات السيئة للبعد عن خط الأنبياء والقرب من خط الطواغيت ، سواء بالنسبة إلى الطواغيت أم تابعيهم.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) بما أتاه الله من معجزات ودلائل وبراهين ، وبما أراده الله له من القوة في الموقف الذي يوحي بالسيطرة على فرعون وجماعته ، (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) فلم يستجيبوا له ، (فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ) في ما أمرهم به من الكفر بالله ، والتمرد على رسله ، (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) لأنه لا ينطلق من قاعدة التفكير العاقل الذي يوازن بين الأمور ليعرف الصالح من الفاسد ، والخير من الشرّ ، ويحسب الأرباح والخسائر في ما يأخذه أو في ما يدعه من الأشياء ، ولذلك دفعهم إلى السير في طريق غضب الله الذي يؤدي بهم إلى النار.
(يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) فيكون لهم إماما في الآخرة ، فيواجهون باتباعهم له مصير الهلاك والعذاب ، كما كان لهم إماما في الدنيا فاختاروا معه الكفر والضلال ، (فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) والورد هو الماء الذي يرده الناس ليرتووا منه ، واستعمل هنا في النار مجازا للتدليل على أنهم اتبعوه ليشفوا غليلهم ، ولكنهم اكتشفوا ـ في نهاية المطاف ـ أن الغاية التي وصلوا إليها كانت على عكس ذلك.
(وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً) بابتعادهم عن الله ، فأبعدهم عن رحمته ، وترك الدعاء عليهم بذلك سنّة متّبعة إلى يوم القيامة ، (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ)