وآلامه ، (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) فلا مجال للتخلص من العذاب في أيّ وقت ، بل يمتد بهم ذلك بامتداد السماوات والأرض ، (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) لأن الأشياء كلها تخضع لمشيئته ، فلا حتميّة لشيء في الدنيا أو في عالم الخلود إلا من خلال إرادته التي تعطي الأشياء وجودها ، وتمنح الموجودات استمرارها ، فمشيئة الله تحكم كل شيء في البداية ، والاستمرار ، والنهاية ... ولعل هذا هو الملحوظ في هذا الاستثناء ، لتأكيد الإرادة الإلهية التي إذا حكمت على الأشقياء بالخلود في العذاب ، فإنه من الممكن أن ترفع ذلك عنهم في المستقبل ، لأنّ هذا الحكم مربوط بالمشيئة الإلهية ، التي قد تعلق حكم خلودهم في النار أو تمد بذاك الحكم إلى الأبد ، (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) فهو المهيمن على كل شيء ، فكل شيء خاضع لإرادته.
(وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا) بإيمانهم الخالص لله وبأعمالهم الصالحة ، (فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) فإذا شاء الله لهم الخروج منها فلا بد أن تتحقق مشيئته ، (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أي غير مقطوع ، إشارة إلى استمرار البقاء في الجنة ، على أساس ما يوحيه عدم الانقطاع في عطاء الرحمة والرضوان والنعيم.
* * *
الجنة والنار بين الخلود والأجل المحدود
وقد يثأر سؤال حول التعبير بكلمة : (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) ، فهي تحدد الخلود بالشكل الذي قد يوحي بأنه إذا كان للسماوات والأرض أجلا محدودا ، فيترتب عليه وجود أجل محدود للجنة والنار ، باعتبار وجودهما في نطاق السماء والأرض ، وربما يؤكد ذلك بعض الآيات التي حددت للسماء والأرض أجلا كما في سورة الأحقاف : (حم* تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ* ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا