القوم الذين عاشوا في القرون السالفة ، (أُولُوا بَقِيَّةٍ) جماعة جاءت بعدهم وانتهجت سلوكا على غير الطريقة التي ساروا عليها (يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ) من موقع المسؤولية عن إصلاح الدنيا وتهديم الفساد ، ولكن لم يحدث ذلك فقد تبع الخلف السلف في طغيانه وتمرّده في عملية الفساد والإفساد ، (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ) من الأنبياء والمؤمنين الذين اتبعوهم في الإيمان بالرسالة وجاهدوا في سبيل الله ، وهؤلاء يمثلون القلّة في المجتمع الذي سيطر عليه المترفون بكفرهم وضلالهم ، ممن ظلموا أنفسهم ومن حولهم من الناس ، والحياة التي تحيط بهم ، (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ) من مال وشهوات وأطماع في ما تدعوهم إليه من ظلم للناس ، واحتكار لأرزاقهم ، وتحكّم فيهم بما لا يرضى به الله ، وانقياد للذائذهم وشهواتهم ، واستسلام لدعوات الشيطان وخطواته في ما يأمرهم به ، أو ينهاهم عنه ، وتركهم لدعوة الله في السير على الصراط المستقيم في خطّ العقيدة والعمل.
(وَكانُوا مُجْرِمِينَ) وأيّة جريمة أعظم من الاستعلاء على الناس ، وإفساد حياتهم ، وتدمير عقيدتهم ، وإبعادهم عن الله ، وتشوية أفكارهم وتصوراتهم ، وإقامة الحواجز بينهم وبين رسل الله ودعاة الحق ، إنها الجريمة البشعة لأنها تمثل الاعتداء على الحياة بكل روحيتها وعمقها الإنساني وامتدادها الرسالي نحو الله.
* * *
الله الرحيم العادل
(وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) لأن العذاب لا يمثل حالة عقدة ، كما هو الحال لدى الناس الذين يحكمون فيتحركون ـ في حكمهم ـ من موقع العقدة الذاتية التي تتلذّذ بعذاب الآخرين وترتاح بظهور الألم في حياتهم ، وتشعر بالعظمة أمام مشاريع هلاكهم ، ولكن الله غنيّ عن