وليحمي رسله وعباده من مكر الماكرين وكيد الظالمين ، فإن الله يعلم كل شيء عن مخلوقاته ، ويدبّر أمورها وما تحتاجه من شؤون الرزق الذي يحفظ استمرار وجودها وقوّة حياتها ، وذلك بما قدره وقضاه في كتاب الكون ، حيث جعل لكل شيء مستقرّا يعيش فيه ويتحرك ، ومستودعا ينمو فيه ويتطور ، ويستعد لرحلة الحياة في الأصلاب أو الأرحام أو البيض أو غير ذلك ...
وفي ضوء ذلك ، كانت العلاقة بين الله وخلقه ، لا سيما ما يدبّ من مخلوقاته الحية في الأرض ، تتمثل في الإمداد الدائم لتلك المخلوقات بالنعم المتنوعة التي تكفل استمرار وجودها ، مما يجعلها تتحرك في طمأنينة دون قلق ولا ارتباك. وهي تعرف في الوقت نفسه أنها تقع ـ أينما تكون ـ تحت الإشراف الإلهي الذي يرعاها ، لأنه يعرف مستقرّها ومستودعها ، ويحيط بكل شؤونها وأمورها ...
* * *
الله مصدر الرزق لكل حي
(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ) سواء كانت من الزواحف ، أو من ذوات القوائم التي تمشي على رجلين ، أو على أربع ، أو التي تطير في الهواء ، (إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) فهو الذي خلقها ، وتكفل برزقها بما أعدّه من أسباب الرزق ومفرداته وعناصره في الكون ، وفي ما سخّره من ظواهر وقوى تدفعها إلى السعي والكفاح للأخذ بتلك الأسباب والحصول على نتائجها ، الأمر الذي يبعدها عن الاتكالية التي تعكس الاسترخاء ، وتوجهها نحو التوكل الذي يعكس الثقة ويدفع إلى الحركة. (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها) الذي يتحرك فيه وجودها ، (وَمُسْتَوْدَعَها) الذي يمثل الموضع الذي بدأت فيه عملية النمو في طريقها إلى الوجود ، و (كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) في ما قدره الله للوجود من قوانين وأسباب وسنن طبيعيّة ، في نطاق النظام الكوني الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلما وتدبيرا.
* * *