حقائق أمور الحياة ، والاستفادة من تجارب الآخرين التي شاهدوها ، أو سمعوها ، ليضيفوا ذلك إلى ما يملكونه من تجارب ذاتية ، ليتسع لهم جانب المعرفة بحركة المستقبل في حياتهم العامة والخاصة ، وفي هذا إيحاء بالجانب الفكري للقصة ، الذي يريد القرآن توجيه الإنسان إليه لأخذ العبرة منه ، وعدم الاكتفاء بالجانب التفصيلي للأحداث بما تخفيه من لهو فكري وتسلية ذاتية ، فالهدف الاستفادة من التفاعل الإنساني مع تجربة الآخرين لتحديد الخطوات العملية المستقبلية وما يصلح للحياة ، أو ما لا يصلح لها ، وهكذا تبدأ القصة في حياة يوسف وإخوته ، بآلام يعانيها يوسف وتحدد ما يستقبله من أحداث.
* * *
المعيار الخاطئ
(إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) ، وهذا ما أثار في نفوسهم الحقد ، فقد كانوا عشرة من أمّ ، وكان يوسف وأخوه من أمّ أخرى ، وربما كان ليعقوب بعض العاطفة المميّزة لهما ، كنتيجة لبعض الخصائص الروحية أو الأخلاقية التي يتمتعان بها ، ولصغر سنهما الذي يجعلهما بحاجة إلى الاحتضان العاطفي من جهة ، وما يستثيره ذاك السن من عاطفة حميمة ، تجعل الكبير يهفو إلى الصغير من جهة أخرى ، ولكن الكبار ـ عادة ـ لا يفهمون ذلك ، لا سيما مع اختلاف الأمّ الذي يبعث على التعقيد في نفوس الأولاد تبعا للتعقيد بين الأمهات ، وكان هؤلاء يفكرون بالقضية وفق معيار التفوق العددي الذي يدفع إلى ترجيحهم على الأقل ، أو انطلاقا مما يوحيه العدد الكبير من قوة تتيح لهم تصحيح ما يعتبرونه خطأ في تمييز أبيهم في مشاعره الأبوية تجاه أولاده ، الأمر الذي عبروا عنه بقولهم الذي أشار إليه الله في قوله تعالى : (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) مما نستوحي منه أنهم كانوا لا يحترمون شخصية النبي في أبيهم ، وهو الذي لا ينطلق في سلوكه من عقدة