ووافق يعقوب على ما طلبوه منه ، وأرسل يوسف معهم ، فنجحوا في الخطوة الأولى من خطتهم المرسومة. (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ) واتفقوا على تنفيذ المؤامرة ، فتعاونوا على شدّ وثاقه ، في فظاظة وغلظة لم تأبه لتوسلات يوسف المستغيثة بوداعة ، بحثا عن أمل في الانفلات منهم ، ولكن عبثا يحاول ، فأنزلوه إلى أعماق البئر وتركوه هناك ، وتمّ لهم ما أرادوه ، وقد أراد الله ليعقوب أن يوحي إليهم بما فعلوه بالرمز والإشارة في أسلوب من الاتهام الخفيّ الذي يحسّ به المتهم من خلال كلمة أو همسة أو نظرة ، (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بطريقة خفيّة موحية ، وهذا ما فعله يعقوب في ما نراه من ختام هذا الفصل.
* * *
دموع التماسيح
(وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ) ويعلو الصراخ بشكل يوحي بالفاجعة في عملية إثارة الشعور بالذنب على طريقة دموع التماسيح التي لا تتحرك من الأعماق ، بل تبقى في دائرة الشكل ، (قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ) في سباق عنيف يغفل الإنسان فيه عن نفسه وعمن حوله ، ولم يكن من الممكن ليوسف أن يستبق معنا لصغر سنه وضعف جسمه ، (وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا) ليقوم بحراسته ، وابتعدنا عنه في تراكضنا نحو الهدف ، فاستغل الذئب هذه الفرصة ، فلم يجد عنده أحدا ، ولم يملك أن يدافع عن نفسه ، (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) وتلك هي الحقيقة الصارخة التي عشناها بكل ما يختزنه الإنسان من قساوة الألم ، وعنف الحزن ، وفداحة الخسارة ... ولا نملك ما نؤكّد به لك هذه الحقيقة (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) لأن الشك يغلب جانب ثقتك بنا ، مع أن الأمر محتمل جدا ، لكثرة ما تقع فيه أمثال هذه الحوادث ، وقد كنت أوّل من أثار المسألة أمامنا على أساس الاحتمال الذي استبعدناه واستقربته ، ولكن ، ماذا نقول لك