فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) لأنهم أرادوا التخلص منه بسرعة ، والحصول على ثمنه بأيّ مقدار كان ، حذرا من أن يكتشفهم أهله ويأخذوه منهم قبل أن يبيعوه ويقبضوا ثمنه. والظاهر أن الضمير راجع إلى القوم الذين أخرجوه من البئر وأسرّوه بضاعة لأن السياق يوحي بذلك ، ولا يلتفت إلى احتمال أن إخوة ليوسف هم الذين باعوه ، بعد أن اكتشفوا إخراج السيارة له ، فادّعوا أنه عبدهم فباعوه منهم ، لأن هذا خلاف الظاهر.
* * *
بدء التمكين
(وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ) فقد أعجبه هذا الغلام ، ونفذ إلى قلبه ، بحسنه ووداعته وصفاته الروحية والأخلاقية ، مما قد لا يجتمع في العبيد الذين يعرضهم النخاسون في سوق النخاسة ، فأراد من امرأته ألّا تعامله بالشدّة والقسوة التي كان يعامل بها العبيد ، بل أراد معاملته باللطف والإكرام ، كإنسان يستحق الإعزاز والاحترام ، لينتفع به ، ويعتمد عليه في الأمور الخاصة ، ويكون موضع سرّه يأتمنه على خصوصيات البيت وأسراره ، أو يتبناه ، لأنه كان عقيما لا ولد له ، وهذا ما أوحى به إلى امرأته : (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً).
وهذا ما أراد الله أن يهيئه ليوسف من وضعيّة تمكنه من السير في اتجاه تقوية مركزه ودعم مكانته ، لا سيما بعد أن يتجاوز بنجاح الظروف المثيرة والأحداث الصعبة ، مما أهّله لفرصة الاعتماد عليه في تفسير الحلم الكبير للملك ، لأن الله قد ألهمه ، تأويل الأحاديث بطريقة تسمح له جلاء الكثير من غوامضها.
(وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) فجعلناه في الموقع الذي يمكنه من بلوغ المنزلة الكبيرة ، (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) لنهيّئ له المدخل الطبيعي