(وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) في عملية هجوم عاطفي يوحي إليه بأجواء الإغراء ، ويحرّك فيه مكامن الشهوة ، ويمنع عنه طريق الهروب ، ولعل في التعبير بأنه في بيتها إيحاء بالجو الضاغط الذي يحيط به ، لتوفره على الاختلاط والسيطرة اللذين يسهّلان مهمة السقوط. (وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) في صوت يشبه الفحيح المحموم الذي يخرج من أعماق الغريزة ، فقد استعدت كل الاستعداد الروحي والشعوري والجسدي لهذا الموقف ، واعتبرت الحصول على ما تريده حالة طبيعيّة ، ومهمة سهلة لا تحتاج إلا إلى طلب الاستجابة من يوسف ، ولهذا كانت الدعوة بهذا الأسلوب الذي يختصر الموقف في كلمة مشبعة بالرغبة الحميمة «هلم إليّ» ، ولكن يوسف كان في عالم آخر ، فهو لا يعيش الاستغراق في عالم الحس وتحقيق الارتواء الغريزي ، كقيمة إنسانية حيوية يستهدفها الشباب عموما ، بل يعيش لنداء الروح ، في ما تنطلق به من روحية الإيمان ، وإحساس الوفاء ، فهو لا ينظر إلى ما في داخله من أشواق الحسّ ، بل يتطلع إلى ما في روحه من آفاق السموّ نحو الله ، وهذا ما عبّر عنه في كلمته التي صوّرها الله لنا بقوله : (قالَ مَعاذَ اللهِ) في كلمة مؤمنة موحية تعبّر عن الرفض الحازم من جهة ، وعن اللجوء إلى الله ، والاستجارة به من هذا النداء الشّبق المفعم باللهفة والإغراء ، الذي يكاد يفترس منه روح الطهر ، ويدفعه إلى العهر والفجور.
* * *
مواجهة الإحسان بالإحسان
ثم انطلق ليتحسّس المسألة من جهة أخرى ، وهي مسألة الوفاء لسيده الذي أحسن مثواه ، فكيف يمكن أن يخونه في زوجته؟ إنه لو فعل ذلك فسوف يحس بالاحتقار لنفسه ، كما يحس أيّ خائن ، (إِنَّهُ رَبِّي) الذي رباني بما