وما يثير فيهم من شعور ويفتح لهم من أفق ، بهدف عصمتهم من السقوط أمام التجربة ، أو الانحراف أمام الإغراء ، ليستقيم لهم الدرب في الأفق الواضح ، فيحصلوا على ثقة الأمة ، في مواقع الصدق في القول والعمل ، لتلتزم بما يأمرون أو ينهون عنه ، من موقع الثقة ، وهذا ما أراد الله ليوسف أن يبلغه ، من خلال رؤية البرهان الإلهي الذي استطاع أن يعصم موقفه ، ويضبط مشاعره الحسية ، (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) الذين أخلصوا لله الإيمان ، فاقتربوا من وحيه ، والتزموا بشريعته ، وانسجموا مع هداه ، فرعاهم الله واحتضن روحهم وفكرهم ، وحياتهم العامة والخاصة. ولا بد لنا أن نثير في هذا المجال ، أن الصرف عن السوء والفحشاء ، ليس أمرا بعيدا عن حرية الإرادة والاختيار ، بل هو قريب منها كل القرب ، لأن الله لم يجبره على الابتعاد عن المعصية ، بل أثار أمامه الأفكار التي تبعده عنها بشكل تلقائيّ وعفويّ.
* * *
الكيد العظيم
(وَاسْتَبَقَا الْبابَ) فقد اندفع يوسف إلى الباب ليهرب منها ، وليتخلص من ضغطها العنيف الذي كاد أن يسقطه في الإغراء ، واندفعت هي خلفه ، لتمنعه من الهرب ، ولتفرض عليه الاستجابة لنداء الشهوة ، في عملية سباق يحاول فيه كل واحد منهما أن يسبق الآخر. ولكنها استطاعت أن تلحقه قبل أن يفلت من يديها ، (وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ) من الخلف ، ومزقته عند ما كانت تجذبه إليها ليرجع إلى داخل البيت ، وكانت المفاجأة لهما بالمرصاد ، (وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ). وفوجئ بالموقف الملتهب أمامه ، ولكنها لم ترتبك ولم تخف منه ، بل حاولت أن تحوّل المسألة إلى اتهام ليوسف بالاعتداء عليها ، لتعاقبه على امتناعه عن الاستجابة لها ، بتشويه صورته ، واستغلال الفكرة الشائعة عند الناس ، أن الرجل هو الذي يعتدي على المرأة ، وليس العكس ، وربما كانت تشعر بتأثيرها العاطفيّ الكبير على زوجها ، كما نستوحي من