استنكار وتأنيب ، (قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَ) لما كان يحمله في نفسه من انطباع عن كيد النساء اللواتي يقمن ضعفهن الأنثوي في مخاطبة شهوة الرجل وغريزته ، واستعمال ذلك الضعف كسلاح ضدّه ، في ما تذرفه من دموع في حالة الشكوى ، وفي ما تقدّمه من أساليب أخرى في محاولة لإقناع الآخرين بظلامتها. وفي هذا الاتجاه سارت زوجة العزيز في موقفها من يوسف ، مستغلة وجوده عندها في البيت ، وحاجته إليها في ظروف العبودية التي فرضت عليه ، ويقظة غرائز المراهقة في دمه وأعصابه ، وعند ما امتنع عليها لاحقته في محاولة منها للضغط عليه ، ولما فاجأها زوجها بالموقف الشائن بادرت إلى اتهام يوسف بالاعتداء عليها ، اعتقادا منها بأن طبيعة الأمور في مثل هذه الحالات تفرض على زوجها تصديقها وتكذيب يوسف ، (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) لأنّ المرأة تملك من الوسائل الخفيّة ، ما تستطيع به السيطرة على الموقف من أوسع السبل.
* * *
الكيد وضعف المرأة
وقد ذهب البعض ، إلى أن التاريخ البشري الذي عزل المرأة عن النشاط الفكري والعمل الجدّي الواسع في حركة الحياة ، وحبسها في دائرة البيت وأضاء الأجواء الخاصة المحيطة بموقعها من الرجل جعلها تتجه إلى تفجير طاقاتها في التخطيط للدفاع عن نفسها ، بالتآمر والكيد والحيل المتحركة في أجواء الخفاء ، في مجتمع النساء والرجال معا ، ولهذا كانت هذه الوسائل نتيجة طبيعية لانطلاقة عبقريتها الذهنية بكل طاقاتها في هذا الاتجاه فأبدعت فيه ، ككل إنسان يكرس لشيء ما كل طاقاته الفكرية والعملية. وبهذا فإن الحيل والمكيدة لا تمثل حالة طبيعية في المرأة ، بل تمثل لونا من ألوان النشاط