لقد فكر يوسف أن الاستسلام لرغبة امرأة العزيز وصويحباتها في ممارسة الفاحشة معهن يجعله عبدا لهن ، وبذلك يفقد إنسانيته فكرا وشعورا وحركة إيمان ، وربما كان يفكّر أن عبوديته لامرأة العزيز التي كان يعيشها لم تكن مشكلة كبيرة له ، لأنها كانت تمثل حجزا لحريته في حركة الحياة العادية ، من تنقلات وتوقيت لليقظة والنوم ، وعمل على خدمتها وخدمة زوجها ولكن ذلك كله لم يكن ليقترب من عمق المضمون الروحي لإنسانيته ، ببعدها الأخلاقي والسلوكي التزاما بأوامر الله ونواهيه.
أما الاستسلام لما يردنه له من شهوات ، فيمثل السقوط في الهاوية حيث يفقد إمكانية رفض ما يرفضه أخلاقيا وروحيّا ، وإمكانية قبول ما يؤمن به من خلال مبادئه ورسالته ، وبهذا تتحقق عبوديته بأقسى دلالاتها في نفسه ، فلا تبقى حالة العبودية من الخارج بل تتحول إلى عبودية الإرادة والقرار ، حيث لا يملك أن يقرّر بحرّية ، ولا يستطيع أن يوجّه إرادته باستقلال ، ولهذا اختار السجن الذي تتكبل فيه حركة الجسد لتتنفس روحه هواء الحرية. وهكذا انطلق الإنسان الحر في شخصه ، ليولد مستقبلا جديدا له يحقق من خلاله الحرّية لأمته وللناس أجمعين.
* * *
كيف نستوحي الموقف؟
وهكذا نريد استيحاء هذا الموقف ، في كثير من المواقف التي يواجه فيها المؤمنون الضغوط القاسية : الخيار بين السجن والانحراف ، أو بين الاضطهاد والخيانة ، حيث يضطرون للمفاضلة ـ في كثير من الحالات ـ بين قضية الرسالة ، وقضية الذات ، فيختار البعض حريته تحت تأثير تبريرات تصور له التراجع كما لو أنه حالة اضطرار تحلّ فيه المعصية وتسوّغ الانحراف ، لتبني