الأمور وما يدخل في جوّها الأخلاقي ، هي التي جعلتهما ينجذبان إليه ، وينفتحان عليه هذا الانفتاح الروحي الذي يعيش فيه الإنسان جوع المعرفة إلى فكر العارفين.
* * *
توسل التأويل لهداية الفتيين
ولم يكن ليوسف شأن بالجانب الذاتي لما سألاه عنه ، ولم يكن في صدد الإيحاء بإمكاناته العلمية في تأويل الأحلام ، أو في غيره من الأمور ، بل كان يتوسّل هدايتهما إلى الصراط المستقيم من خلال ذلك ككل داعية إلى الله ، يتحسس ضرورة استخدام كل طاقاته في سبيل الدعوة والهداية ، وتحريك علاقاته بالناس ، في هذا الاتجاه. وهذا ما أراد يوسف أن يثيره أمامهما عما وهبه الله من إمكانات علميّة ، تمكنه من استيحاء الأحلام ومعرفة ما تحمله من أسرار المستقبل وخفاياه ، أو في استلهام الإشراق الروحي الذي أودعه الله في قلبه ، واستكشاف آفاق المستقبل في حياة الناس.
(قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما) لقد سألاه عن تفسير ما رأياه من الحلم فأجابهما بأنه يملك أن يخبرهما بما سيأتيهما من طعام ، قبل إتيانهما به ، لأن الله أمدّه بمعرفة بعض جوانب الغيب ، وربما كان السبب في ذلك أنه يريد أن يؤكد لهما سعة المعرفة التي يملكها ، كوسيلة من وسائل تعميق ثقتهما بشخصيته للتأثير عليهما وعلى قناعتهما الفكرية ، لأن معرفته تلك ينبغي أن تمنحهما الثقة بالطاقة الروحية المميّزة التي توحي لهما بضرورة الاهتداء بهديه ، والانسجام مع دعوته ومنهجه في الحياة ، لا سيما وأنه يتصل ـ في ذلك كله ـ بالله من أقرب طريق. (بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) مما يعلّم به عباده الذين يعدّهم لرسالته ، فيلهمهم علم ما لم يعلمه الناس ويزيدهم