كان مفاجأة سارة لأحدهما ، وسيّئة للآخر.
(يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما) وهو الذي حلم أنه يعصر الخمر (فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً) فيكون ساقيا للسلطان ، لأن ذلك هو ما يوحي به هذا الحلم ، (وَأَمَّا الْآخَرُ) الذي كان يحمل الخبز على رأسه فتأكل الطير من رأسه (فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ) عند ما يبقى نهبا لكل طير حيث يستمر الصلب عادة مدّة طويلة تغري الطير بالأكل منه ، في ظل فقدان الحماية له ، (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) فهذا هو القضاء الذي استوحاه يوسف من حلم هذا ، وحلم ذاك ، فليس الأمر بيده ليمنع الفاجعة عن المنكوب الذي سيصلب فتأكل الطير من رأسه ، لأنه ليس إلّا مفسرا للرؤيا ، أما الأمر فهو بيد الله.
(وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا) وهو من قال له إنه سيكون ساقيا للعزيز ، مما يجعله قريبا منه ، أثيرا لديه ، مسموع الكلمة عنده ، (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) في ساعات نشوته وسروره ، وحدّثه عن مشكلتي في السجن الذي دخلته بلا ذنب ، واطلب إليه أن يخرجني منه ، (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) في غمرة مشاغل وضعه الجديد ، لعدم اهتمامه الكافي بوضعية يوسف ، كون علاقته به لم تتعد المستوى السطحي للعلاقات الطارئة التي لا يبقى منها بعد انفصال طرفيها سوى الذكريات.
* * *
مزاج الطاغية هو القانون
وهكذا استمر يوسف في السجن ، بسبب حكم الطغاة الذين لا يحترمون الإنسان ، ولا يشعرون بأيّة مسئولية تجاهه ، لا سيما إذا كان من طبقة العبيد ، الذين لا يمثلون في قانون المجتمع أيّة قيمة تدفع إلى الاحترام ، أو تدعو إلى الاهتمام. لذلك فإن قضاياهم تتعلق بمزاج الطاغية وإرادته ، فإذا اقتضى مزاجه إطلاق حرية العبد ، كان ذلك هو القانون الذي ينفّذ ، وإذا نسي الموضوع كله ،