إنها لون من ألوان الغيب الداخلي في عالم النفس الذي لم نستطع أن نبلغ فيه المدى الواسع من آفاقه لأننا لم نعرف طريقة النفس ، أو الروح ، في إدراكها للمستقبل مما يدخل في عالم النبوءات من خلال الفكر أو الإلهام ، أو من خلال الأحلام ، وربما يكشف الله للإنسان في المستقبل بعض الوسائل التي تقوده إلى معرفة بعض حقائقه بطريقة أو بأخرى.
ولكنّ ذلك كله لا يمنع الإنسان من محاولة استيحاء رموز ودلائل أحلام الآخرين خاصة ما يمكن أن يفتح قلبه على آفاق الإيمان ، أو يدفعه إلى تصحيح خطأ من الأخطاء ، أو يمنعه من السير في طريق منحرف ، فإن ذلك يعتبر أسلوبا من أساليب التوعية ، ووسيلة من وسائل الهداية ، وهذا ما ينبغي أن يستفيد الدعاة إلى الله منه لدى سماع ما يرويه الآخرون من أحلامهم ، لأن الأحلام باب واسع من أبواب الدعوة.
* * *
تفسير الرؤيا
وهكذا أراد الملك من خاصته ، أن يفسّروا له رؤياه ، إذا كانوا ممن يملكون هذه المعرفة ، ولكنهم لم يهتدوا إلى ذلك سبيلا ، (قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ) وتشبيه هذه الرؤيا بالأضغاث ، يعود لكونها تمثّل مجموعة من الأشياء المتفرقة في طبيعتها والتي تختلط فيها الرؤية ، فقد تجذبك واحدة إلى جهة ، بينما تجذبك الأخرى إلى جهة ثانية ، وهكذا لا تستطيع ـ من خلال ذلك ـ أن تحكم على أيّ وجه من وجوه الواقع ، تماما كما هي قبضة الحشيش أو الرياحين أو القضبان ، التي لا يقف من خلالها الإنسان على حقيقة ، أو يعرف منها بعضا من الواقع. وهذا ما أرادوا أن يوحوا به إلى الملك ، كتعبير عن طبيعة هذا الحلم غير المفهوم ، أو كتعبير عن مستوى ثقافتهم الذاتية في تفسير الأحلام كما يوحي به قوله تعالى : (وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ) لنفسّر لك