السنوات العجاف
... ومرت الأيام .. وابتعد يوسف عن أهله .. وابتعدوا عنه .. وربما نسيهم بعد انقطاع أخبارهم عنه ، وربما نسوه بعد انقطاع أخباره عنهم .. وتحول الجميع لدى بعضهم البعض إلى ذكرى تغيب عن الفكر أمام ضغط الأحداث المتلاحقة.
وجاءت السنوات العجاف ، وأجدبت الأرض ، وقلّ النتاج أو انعدم ، وضاقت أحوال الناس في أرضهم ، وبدأوا يبحثون عن الطعام في مناطق أخرى لم يزحف إليها الجدب ، أو لم يترك أثره الكبير عليها. وكانت فلسطين التي يقيم فيها النبي يعقوب وأهله ، إحدى المناطق التي عرض عليها الجدب ، واشتد فيها الأمر على الناس ، وربما سمعوا أن عزيز مصر قد فتح خزائن الطعام للناس ، وأنه يوزعها بينهم بطريقة عادلة ، وقد كانت مصر الخصبة في أرضها ونيلها سوقا للمناطق القريبة منها. وهكذا أعدّ إخوة يوسف العدة للسفر إليها ، ليجلبوا منها الطعام إلى أهلهم ، وذلك بطريقة تجارية يستبدلون فيها بضاعة ببضاعة ، أو بنقد.
* * *
وجاء إخوة يوسف عليهالسلام
(وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ) لأنه كان المسؤول الأوّل عن توزيع الطعام ، بناء على الخطة الاقتصادية التي وضعها ، مما يفرض أن يكون المشرف على عملية التنفيذ ، فكان يستقبل القادمين للشراء ، ويتفاوض معهم على مقدار ما يطلبونه من طعام ، وما يدفعونه من سعر ، (فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) لأنه كان صغيرا عند ما فارقوه ، وربما تغيّر الكثير من ملامحه الظاهرة ، وربما لكونهم لا يحتملون وجوده في هذه المواقع ، لأن طبيعة الظروف التي أحاطت به لا تسمح بذلك ، لا سيما وأن القافلة التي عثرت عليه