باعته ، كعبد في أسواق النخاسة ، الأمر الذي جعلهم يستبعدون الفكرة حتى لو قربتها إلى أذهانهم بعض الملامح البارزة في وجهه. ومن المعلوم ، أن عملية الاستذكار ، تحتاج إلى حالة ذهنيّة معينة قادرة على ربط معطيات الماضي بالحاضر ، وإلا بقي الواقع مجرد حالة حيادية لا توحي إلّا بما يتحرك حولها من أحاسيس محدودة بالحاضر. أما بالنسبة ليوسف ، فقد كانت ملامحهم في ذهنه ، لأنهم كانوا كبارا عند ما فارقهم ، ولم يحدث في حياتهم تغيير يذكر ، يبعد الصورة البارزة لديه. لهذا كانت رؤيته لهم ، بمثابة الصدمة التي أعادته إلى الماضي ، وربّما يكون قد ساهم في ذلك أنهم كانوا قد ذكروا أسماءهم ، ومواقع بلادهم عند قدومهم ، فمن المتعارف لدى الناس ، سؤال الغرباء عن هويتهم وبلادهم.
وهكذا عرضوا على يوسف ، ما جاءوا لأجله فقدّم لهم كل ما يريدون ، وزاد لهم في الكيل ، وأكرم وفادتهم. وربما كان من الطبيعيّ ، أن يدور بينه وبينهم حديث عن حياتهم وعن أبيهم وأهلهم لاتصال ذلك باهتمامات يوسف ، فلا بد له أن يسأل ، بعد أن عرفهم ، عن التفاصيل التي تهمه من أمرهم ، ومن أمر من يحبهم ، بالطريقة التي لا تثير انتباههم واستغرابهم ، وقد يكون الحديث قد وصل بهم إلى ذكر أخ شقيق لهم وآخر غير شقيق عند ما حدثوه عن عددهم ، وعن أشياء أخرى لم يتعرض لها القرآن ، لأن أسلوبه ، في القصة ، يتناول المواقف المهمة في حركة الشخص أو القضية دون الدخول في التفاصيل الصغيرة.
* * *
طلب أخاه وعمّق الثقة معهم
(وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) وأرادوا أن يرحلوا إلى بلادهم ، وجاءوا