فكيف كان شعوره أمام ذلك كله؟ هل يتقبّله بعقل واع منفتح ، يدرس الظاهرة الإيجابية الماضية من خلال أسبابها ، ويناقش الظاهرة السلبية الحاضرة ، من خلال مؤثراتها الواقعية ، مما يجعله يواجه النتائج في كلتا الحالتين بعقلانية هادئة تتحرك فيها حسابات الشعور من خلال حسابات العقل؟ أو أنه يواجه المسألة بالانفعال العنيف الباحث عن الأجواء المأساوية ليغيب فيها ، وعن العنف المتمرّد ليتحرك فيه؟ إن النتيجة هي اختياره للجانب الثاني ، لأن عنصر الانفعال أقوى لديه من عنصر العقل ، (إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ) فلا يخضع الأشياء للدراسة الواقعية ليفهم أن من الممكن للمشكلة أن تجد الحلّ ، وأن الحالة الصعبة قد تتحوّل إلى حالة سهلة ، وأن العسر قد يتحول إلى حالة إشراق ينطلق في أجواء الضياء. وهو لا يلجأ إلى منطق الإيمان ليعرف أن قدرة الله لا تقف عند حدّ ، فلا مجال لليأس أمام قدرته ، بل يبقى الأمل في خضرة دائمة ، ونموّ مستمرّ ، ولذلك فهو يسقط في وحول اليأس ، ويتخبّط في ظلمات الكفر ، فيعيش في قلب الدوّامة إلى غير قرار ، هذا في الحالة الإيجابية التي تتحول إلى حالة سلبيّة.
* * *
الزهو المتكبر والشخصية المهتزّة
(وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) فحصل على الصحة بعد المرض ، وعلى الغنى بعد الفقر ، وعلى الأمن بعد الخوف ، وانطلقت الإشراقة الروحية في حياته ، لتبدّد الظلمة التي عاشت في أحداقه مدة طويلة من الزمن ، فاستسلم للخير المستجد في حياته ، استسلام الاسترخاء الذي يبحث عن أرض يتمدّد عليها ، لا عن تجربة يستفيد منها ، في ظواهر قابلة للتغيير والتبديل ...