(قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ) حتى تتهمونا بالسرقة؟ (قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ) وهو صواع مميز لا يمكن أن نتسامح به ، لأنه يخصّ الملك ، لذا فإن الحصول عليه أمر غاية في الأهمية ، ولمن يأتي به جائزة كبيرة ، (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) من الطعام ، (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) أي كفيل ، قالها المنادي للإيحاء بالثقة بأنّه هو يضمن حصول من يأتي بالصواع على الجائزة ، إذا لم يستطع الوصول إلى الملك الذي أمر بها. وربما كان في ذلك ما يخفّف من وقع التهمة ، فقد تحرك إعلان المنادي بالشكل الذي يوحي وكأن فقدان الصاع قد لا يكون نتيجة سرقة ، بل نتيجة ضياعه بين الأدوات خطأ ، أو شبه خطأ ، ولهذا حاولوا أن يدافعوا عن أنفسهم ، ويظهروا براءة ساحتهم.
* * *
التدبير الإلهي الخفي
(قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ) فقد عرفتم سلوكنا وطريقتنا في التعامل معكم ، وربما يذكر بعض المفسرين أن إخوة يوسف أعادوا البضاعة التي وضعها يوسف في رحالهم ظنا منهم أن في الأمر خطأ ما ، مما يوحي بأمانتهم. ولكن مثل هذا غير دقيق ، بلحاظ كلامهم مع أبيهم الذي كان يوحي بأنهم كانوا مقتنعين بأن هذه البضاعة قد ردّت إليهم ، إحسانا وترغيبا لهم في الرجوع. ومهما كانت المسألة ، فها هم يقفون ليشهدوهم بأنهم لم يأتوا ليفسدوا في الأرض بالعبث بأملاك الملك عن طريق السرقة ، (وَما كُنَّا سارِقِينَ) في الماضي لنسرق في الحاضر ، لأن ذلك ليس من أخلاقنا ولا من عاداتنا. ولم يعلق فتيان يوسف على ذلك ، بل تركوا لهم أن يتحدثوا بما يشاءون.
ولكنهم بوحي من يوسف الذي كان يعرف شريعة يعقوب في عقاب