ولكن يوسف يتمسك بحكم الشريعة ، فلا يريد أن يتجاوز حرفيّة النص لأنه لا يوافق على ذلك ولا يجد مبرّرا له. أما العاطفة ، فإنها لا تمثل شيئا أمام تطبيق الشريعة ، والاستسلام لها قد يعطّل حالة التوازن في العدالة التي يريدها الله لعباده ، في أحكام شريعته. (قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ) لأن هذا من الظلم الذي لا نوافق على اقترافه ، (إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ) وهذا ما لا يمكن أن نتحمل مسئوليته أمام الله. وهكذا حسم يوسف المسألة فلم يترك لهم مجالا للأخذ والرد.
* * *
هو خير الحاكمين
(فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا) واجتمعوا مع بعضهم يتداولون الرأي ، حول ما يمكنهم القيام به لمواجهة حرج موقفهم من أبيهم ، (قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ) فإذا كنتم لا ترون في هذا الميثاق الذي أخذتموه على أنفسكم ، أمام الله ما يلزمكم بالبقاء ، لملاحقة قضية أخينا ، والحفاظ عليه ، فإني أرى نفسي ملزما بمتابعتها ، ما أمكنني ذلك ، ولن أعيد التجربة السابقة في التفريط بأخي هذا ، (وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ) وبعتموه بثمن بخس ، وتركتم مصيره للضياع ، فلا نعلم الآن عنه شيئا ... وربما يتكرر الأمر مع أخيه ، فيضيع في أجواء الاسترقاق ، كما ضاع أخوه ، (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي) في الذهاب إليه ، لأكون في حلّ من عهدي ، بعد ما أكون قد قمت به من جهد في سبيل تخليص أخي ، (أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي) بأن يفتح لي أبواب النجاح ، أو أبواب العذر ، (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) بما يدبّره من أمر عباده.
* * *