فائدة منه ، كما أنه لا فائدة من السعي للبحث عنه. وهكذا أرادوا أن يقولوا له إن الإلحاح في استثارة الحزن من خلال استثارة الذكرى لن ينتهي (حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً) أي مشرفا على الهلاك ، (أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ) الذين تسقطهم الصدمة النفسية في قبضة الموت.
ولكنه جابههم بأن الأمر لا يعنيهم ، وهو لا يشكو إليهم أمره ، لأنهم لا يفهمون مشاعره وآلامه أولا ، ولا يستطيعون أن يقدّموا له شيئا ثابتا ، بل يشكو أمره إلى من يسمع شكواه ويملك أن يحل مشكلته ، (قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي) وهو الهمّ الذي لا يقدر صاحبه على كتمانه فيبثه ، (وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) لأن معرفتي بالله ، وما يفيضه على عباده من رحمته ، وما يتّسع له لطفه ، يجعلني كبير الثقة بمصير يوسف ، لأنه إذا ابتعد عن رعايتي له ، فإن رعاية الله ولطفه يفوق كل ما أختزنه له في قلبي من حبّ ورحمة. وإذا كنت أحزن ، أو أعيش الهمّ ، فلأن جانب الضعف في الإنسان يخلق لديه ، من خلال التفكير بالتفاصيل ، مشاعر سلبية تثير شجونه ، وتدمّر استقراره النفسي. وهكذا بدأ الأمل يخضرّ في نفسه ، وينمو مع روحانية الحديث الذي كان يعيشه في مناجاته لله ، حتى كاد أن يلامس مصير يوسف المشرق ، كما لو كان يراه. ولهذا طلب من أولاده ، أن يعودوا إلى مصر من جديد ليبحثوا عنه ، حيث تركوا أخاه ، لأن في داخله إحساسا لا يعرف حقيقته ، بأن يوسف قد التقى بأخيه ، وأنّه من الممكن أن يجدوه حيث يوجد أخوه.
* * *
لا تيأسوا من روح الله
(يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ) واطلبوه بكل ما تستطيعون توسله من أساليب تتحرك فيها حواسكم السمعية والبصرية ، فلعلكم تواجهون المفاجأة التي لا تخطر لكم على بال ، (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ) وفرجه ، لأن