(قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ) هل عرفتم النتائج السلبية لما فعلتموه ، والآلام والأزمات النفسية التي أحدثتموها في حياتهما؟! إنكم لا تحاولون استعادة ذلك ، لأنكم لا تشعرون بتأنيب الضمير ، فعقدتكم المرضيّة تجاههما تبرّر لكم كل ما فعلتموه ، (إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) لا تعرفون نتائج أعمالكم ، كما لا يعرف الجاهلون نتائج أعمالهم.
* * *
أجر المحسنين
وكان حديثه بمثابة صدمة أعادتهم إلى الماضي فتذكروا ملامح يوسف ، في ملامح وجه العزيز ونبرات صوته ، وشعروا بروح الإيمان التي حدثهم عنها أبوهم يعقوب وما تمثله من انتظار الفرج من الله تواجههم الآن ، فعرفوا في هذا العزيز أخاهم يوسف ، في ما يشبه الوحي ، أو اللمعة الفكرية والروحية التي تشرق في الذات ، فتضيء جوانب الحاضر من خلال الماضي. (قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) هل هذا وهم وخيال ، أم هي الحقيقة التي تواجهنا؟! (قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا) بلطفه وكرمه ، وأكرمنا من حيث أردتم إهانتنا ، وأعزنا من حيث أردتم إذلالنا ، وفتح لنا باب الحياة بأوسع مجالاتها. فأين نحن الآن وأين أنتم ، أليس في ذلك عبرة لكم ودرس كبير؟ إن القوّة لا تصنع ـ وحدها ـ المستقبل ، وإن العدوان لا يحقّق نجاحا ، بل الله ، الذي يتقيه المؤمن ، ويصبر امتثالا لأوامره ، هو الذي يصنع للإنسان مستقبله كما صنع له ماضيه وحاضره ، وهو الذي يحقق له النجاح في حياته ، (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ) بما توحيه التقوى من إحسان العمل لله ، ويؤكده الصبر من إحسان للذات وللحياة ، (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) الذين أحسنوا النية ، والعمل في كل خطوات الفكر والحياة.
* * *