مقترحات تعجيزيّة ، لا يستهدف أصحابها منها حلّ مشكلة فكريّة ، أو إزاحة شبهة إيمانيّة ، بل يستهدفون إغراق الرسول بالطلبات التي لا تمثّل شيئا في طبيعتها أمام الرسالة في مفاهيمها وقضاياها ، وشرائعها ، بغرض شغل الداعية عن مهمته ، وإبعاده عن هدفه ، فيضيق صدره ، وربما يفكر بالتراجع عن بعض ما يريد إثارته ، لأنه لا يشعر بالتجاوب منهم ، بل يرى ـ بدلا من ذلك ـ تشويشا وتشويها ، وتلاعبا بالمواقف ، وابتعادا عن الجدّية ، وتهرّبا من المسؤولية في جوّ من اللّامبالاة ، يوحي بأن الدعوة لن تحصل على نتيجة ، فلما ذا يتعب نفسه ، ويجهد بدنه بما لا طائل منه.
وتلك هي الصورة التي واجهها الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، في ما كان يطرحه الكفار من طروحات استعراضية للإيحاء أمام الآخرين ، بضعفه في دعوى نبوّته ، لأنه لا يملك أسباب القوّة التي يعتبرونها علامة للصدق ، في حركة الأنبياء ، وهي ـ في زعمهم ـ القدرة على تغيير الظواهر الكونية ، واجتراح المعجزة استجابة لأيّ اقتراح يقترحه الآخرون. وذلك هو الخطأ الذي قد يعرفونه ولا يجهلونه في التصور ، يتظاهرون بالاعتقاد به ، ليخفوا حقيقة القصد السيّئ ، من وراء طروحاتهم ، فإن النبيّ لا يحمل مهمّة تغيير الكون في طواهره ، بل يتحمل مسئولية تغييره في مناهجه وطريقة التفكير ، والعمل في خطواته الفكرية والعملية ، من خلال التبليغ والتبشير والإنذار ... ويبقى لله أمره ، في ما يقضي وفي ما يفعل ، لأنه المسيطر على ذلك كله.
* * *
مقترحات الكفر
(فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) ممّا لا يتقبله الكافرون ، ولا ينسجم مع أفكارهم وأهوائهم ، ولا يتوافق مع مصالحهم وأجوائهم ... ، لتضمن