وليس ذلك إلا ما ذكروه من قضية البلاغة والفصاحة. أما الأمور الأخرى ، فإنها قد تكون دليلا على الصدق ، لا مظهرا للإعجاز ، وقد تحدثنا قليلا عن ذلك في تفسير سورة البقرة ، أما الحديث عن تحدي كل البشر ، فهو أسلوب كنائيّ يريد الإيحاء بأن المسألة إلهيّة لا بشريّة.
و «منها» عن رقم العشرة ، ما خصوصيته؟ وما المراد منه؟ وقد اختلف في ذلك دون الوصول إلى نتيجة حاسمة. ولعلّ أقرب هذه الوجوه إلى الصواب ما ذكره صاحب مجمع البيان ، في كتابه ، قال : «فإن قيل : لم ذكر التحدي مرّة بعشر سور ، ومرّة بسورة ، ومرّة بحديث مثله؟ فالجواب : أن التحدي إنما يقع بما يظهر فيه الإعجاز من منظوم الكلام ، فيجوز أن يتحدى مرّة بالأقل ومرّة بالأكثر» (١).
وقد علّق على هذا صاحب الميزان بقوله : «أقول : وهو يصلح وجها لأصل التحدّي بالواحد والكثير ، وأما التحدي بالعشر بعد الواحدة ، ولا سيّما على ما يراه من كون إعجازه بالبلاغة فحسب ، فلا» (٢). ولكن من الممكن أن يكون مقصود صاحب مجمع البيان ، هو أن الرقم لا خصوصية له ، بل يذكر كنموذج للقلّة في التعبير بالواحد ، وقد يذكر كنموذج للكثرة في التعبير بالعشرة ، أو بغيرها في ما تعارف عند العرب من أساليب التعبير ، والله العالم.
* * *
الألوهية قدرة مطلقة
(وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في ما يمكن أن تواجهوا به القرآن ، من قدرة المحاكاة ، ممن تعتبرونهم شركاء الله ، فإن مستوى الشريك لا بد أن يكون مساويا في القدرة لمستوى شريكه في موضوع الألوهية ، التي
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٥ ، ص : ٢٢٢.
(٢) تفسير الميزان ، ج : ١٠ ، ص : ١٥٧.