وبين من كان لا يعيش وضوح ذلك ، لأنه لا يريد الاهتداء ، ولا يخضع له ، وقد نجد في كثير من الاحتمالات المذكورة في هذا المجال ما لا يتناسب مع سياق الآية. فلنجمل ما أجمله الله ، ولنطلب الوضوح في ما أراده لنا من قواعده ، ولنرجع علم ما أبهم علينا أمره إليه.
* * *
الله يؤاخي بين الرسالات
(وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً) في ما تمثله التوراة من قاعدة للفكر وللتشريع ، أراد الله للناس أن يتمثلوها فكرا وعملا خلال حياتهم في الفترة التي سبقت نبوّة النبي محمدصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد أبقى الله من مفاهيمها وأحكامها في مضمون رسالته ، لأن التوراة كانت ـ كما يبدو ـ أوّل كتاب سماويّ شامل أنزله الله على رسله ، بحيث غدا إماما لبقيّة الكتب ، لأن الله أراد أن يؤاخي بين رسالاته وكتبه في الأسس الثابتة من العقيدة والتشريع ، وجعل من كل رسول امتدادا للرسول الذي سبقه ، ومن كل كتاب مصدّقا للكتاب الذي جاء بعده ، أو قبله ، بما يتضمّنه من وحي ينظم أمر العباد ، ويهديهم به إلى سواء السبيل. وربّما كان ذكر كتاب موسى ، في هذا السياق ، باعتباره مؤكّدا للإيمان في كثير من تفاصيله التي تصدّق هذا الكتاب في المبدأ والتفاصيل.
(أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي بالكتاب ـ وهو القرآن ـ المستفاد من سياق الآية ، لأنهم يملكون البيّنة على هذا الإيمان. (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ) المتمثلة في جماعات الكفر والشرك والضلال ، (فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) ، لأنه لا يملك الحجة على ما يعتقده من كفره وضلاله ، في ما يملك الله الحجة البالغة عليه (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ) أي في شك (مِنْهُ) أي من هذا الكتاب الذي أنزله الله عليك ، مهما أثاروا حولك من تهاويل الشك ، لأن ما تملكه من البيّنة