الداخليّة والخارجيّة لا يمكن أن يقترب إليه الشكّ ، (إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فلا مجال للريب فيه من أيّ طريق ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) لأنهم لا ينفتحون على المعرفة بمسؤولية ، بل ينطلقون معها من خلال المزاج والشهوة والإحساس ، ولذلك فإنهم يعيشون أجواء اللامبالاة أمام الكثير مما يطرح عليهم من دعوات وقضايا تتصل بالمصير ، وتدفع بالإنسان إلى أن يعيش الجهد والمعاناة والالتزام بالخط المستقيم ، انسجاما مع المسؤولية الشاملة للإنسان أمام الله.
* * *
مدلول اللعنة الإلهية
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بما يوحي به الافتراء من تزييف للصورة الحقيقية التي يريد الله للحياة وللإنسان المزيد من الارتباط بها ، فيسيء بذلك إلى الحياة والإنسان ، وقد تقدم بعض الحديث عن هذه الفقرة في أكثر من موضع من هذا التفسير ، (أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ) في موقف الحساب الذي يواجهون فيه نتائج أعمالهم السيّئة ، وافتراءاتهم الكاذبة ، (وَيَقُولُ الْأَشْهادُ) الذين كانوا يراقبون أعمالهم ، من الأنبياء والأولياء ، ويستمعون إليهم في ضلالهم ويتحملون منهم ألوان الاضطهاد : (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ) في ما نسبوا إليه من أقوال وحرّفوه من كتبه ، وبما شرّعوه من أحكام ، (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) الذين ظلموا أنفسهم وظلموا غيرهم ، لأن الظلم ، بما يكشف من خلفيّات ، ونوايا شرّيرة ، وآفاق عدوانيّة في النفس ، وفي ما يؤدّي إليه من نتائج سلبية على مستوى واقع الحياة العقيديّة والعملية ، يبعد الإنسان عن ساحة رحمة الله ، ويقرّبه من ساحات غضبه ، وذلك هو مدلول اللعنة الإلهية في كل المجالات التي يعلن فيها لعنته على أحد من خلقه.