ضلال وإضلال
(وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ) ينصرونهم من دونه ، لأن ما يزعمونه من هؤلاء الأولياء مخلوقون له ، خاضعون بتكوينهم لإرادته ، فلا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرّا إلا بالله ، فكيف يملكونه لغيرهم؟ (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) جزاء ضلالهم وإضلالهم ، فيحصدون العذاب بسبب هاتين الجريمتين ، (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) وذلك لأن الله قد سلبهم السمع والبصر من خلال امتناعهم عن توجيه آذانهم إلى الاستماع ، وعدم استفادتهم من بصرهم ، وبهذا يتبين أن عدم استطاعتهم للسمع ، وعدم كونهم مبصرين ، لم يكن ناتجا عن حالة العجز الذاتي عن ذلك ، بل عن عجز طارئ كانوا هم السبب فيه ، في ما أودعه الله في الأشياء من علاقة المسبب بالسبب ، فإذا أراد الإنسان الاستماع ليسمع ، كان السمع أمرا طبيعيا له ، وكذلك البصر إذا أراد الإبصار ، أما إذا لم يرد ذلك وأغلق أذنيه بإغلاق قلبه ، أو أغلق عينيه بإغلاق المعنويّ أو روحيّ ، فإنه لا مجال لسمع أو بصر ، فيكون وزان هذه الفقرة ، وفق قوله تعالى : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها) [الأعراف : ١٧٩] ، أو قوله تعالى: (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ* فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ) [الملك : ١٠ ـ ١١] مما يوحي بأن المسألة لا تخرج عن إطار الإرادة والاختيار عندهم.
* * *
خسران النفس ومواجهة الهلاك
(أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) فقد واجهوا الهلاك الأبديّ بكفرهم ، مما