بعيدا عن كل الوضعيات الاستعراضية ، ليواجهه من مواقع إنسانيته التي لا تبتعد عن الواقع في الوقف نفسه الذي تلتقي فيه الوحي ، من خلال النظرة الموضوعية للحياة وللناس.
وتلك هي قصة نوح ، النبي ، الداعية في إيحائها الدائم الذي يمكن أن يتحرّك في مواقف الدعاة إلى الله في كل زمان ومكان ، في ما تلتقي فيه صفة الدعوة بين الأنبياء وبين أتباعهم ، وفي ما ينبغي لهم أن يتحركوا من خلاله على أساس وضوح القاعدة التي ينطلق منها خط الدعوة ، وفي الردّ الحاسم الوديع الذي يجب أن يحكم خطّ المواجهة ، وفي الحماية القويّة التي يشمل بها الداعية كل المؤمنين البسطاء الذين يتبعونه في مقابل المستكبرين المترفين الذين ينظرون إليهم باحتقار واستهزاء.
* * *
العبادة كلمة جامعة للنهج الرسالي
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) ليبلغهم رسالة الله في كلمات موحية حاسمة ، فقال لهم : (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) لأنذركم المصير الذي ينتظركم في الدنيا ، ويواجهكم في الآخرة ، نتيجة ما تمارسونه من عبادة الأوثان وما يتبعها من القيم المادية المستغرقة في الطين ، وفي غرائز اللحم والدم ، بعيدا عن كل المعاني الروحية السامية التي ترفع الإنسان إلى الله ، فتجعل لحياته معنى يتجاوز صورتها المادية ، وتثير فيها روح السموّ ، وامتداد القيمة ، وانفتاح الإنسانيّة على عمق الروح التي تتجاوز الذات إلى حياة الآخرين ، فالعلاقة بالله ليست مجرد حالة عبادية ذاتية يرتبط فيها بالله ذاتيا ، بل هي حالة روحيّة ، تجعل قضية الإيمان شيئا أساسيا في حركة الحياة ، لا مجرّد حالة ذهنيّة تجريدية ، وترف فكريّ لا علاقة له بالحياة والإنسان على مستوى المصير.