(أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) لتلتقي لديكم العبادة بالخط المستقيم الذي ينبغي لها أن تسير عليه ، لأن عبادة غيره لا تحمل أيّ معنى في حساب الحقيقة ، وفي ميزان القيمة ، لأن كل من هو غير الله مخلوق له ومحتاج إليه في كل شيء ، فكيف يعبده من هو مثله في المخلوقية والحاجة؟ وقد تحدثنا سابقا ، أن العبادة تمثل الكلمة الجامعة للنهج الإلهي الرسالي الذي يتحرك فيه الإنسان انسجاما مع إرادة الله ، لأنه يمثل خط السير في كل تفريعاته ومداخلة ومخارجه ، ويلتقي جانب التوحيد فيها ، بتوحيد الفكر والشريعة والمنهج ، في كل أقوال الإنسان وأفعاله على أساس كلمة الله ، فلا مجال لغيرها في ما يفكر فيه ، أو في ما يشرّعه ، أو ما يتحرك فيه من منهج ، ولهذا اقتصر القرآن في حديثه عن رسالة نوح عليها ، في الوقت الذي نعرف فيه أن هناك تفاصيل كثيرة ، تتعلق بالقضايا الجزئية التي تحكم حياة الناس في ما يريده الله منهم.
* * *
لهفة الرسول
(إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) وفي هذا التعبير بالخوف نستشعر المعنى الإنساني الذي ينطلق به الرسول ، ليوحي إلى الناس أنه ليس إنسانا يفكر فيهم بطريقة جامدة ، ورسمية تتوسل المفردات القانونية في حساب الجزاء ، بل هو إنسان يتحدث معهم بلغة الإحساس والشعور والعاطفة ، عما يراه ـ كمثل الشمس ـ من مستقبل مؤلم للمتمردين وما سيواجهونه من العذاب الأليم في يوم القيامة ، إذ يناديهم في ما يشبه اللهفة الملتاعة ، ليرجعوا عن غيّهم وكفرهم لئلا يلاقوا العذاب الشديد. ومن خلال ذلك نفهم ما على الداعية أن يعيشه من تفاعل مع مشاكل الآخرين ، ليعتبر الانحراف لديهم