مشكلة ترتبط بإحساسه تجاههم ، ليتحسسوا العاطفة في كلماته ، وتعبيراته ، ونظرات عينيه ، ونبضات قلبه ووجهه ، وذلك هو خط سير الأنبياء ، مما يجب أن تتحرك البشريّة معه في طريقها الطويل ، وتلك هي دعوة نوح النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لقومه ، فكيف أجابوه؟
* * *
الفهم الخاطئ للنبوة
(فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) فكيف يمكن أن تكون نبيّا ، في ما توحي به النبوّة من سرّ الغيب الذي لا بد أن يكون الحامل له شخصا غيبيا كالملائكة ، ويعود هذا الفهم الخاطئ للنبوة لديهم إلى عدم وعيهم لدور النبيّ في حياة الناس ، الذي يفرض أن يكون النبي من البشر لا من غيرهم ، ليتفاعلوا معه من موقع التكوين الذهني والحسّي المشترك.
(وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ) وهذه هي نقطة الضعف التي يعتبرونها أساس امتناعهم عن اتباع نوح ، لأن النخبة التي تمثل طليعة المجتمع لم تكن ضمن الجماعة المؤمنة به ، فإيمان النخبة به ، في ما لو حصل ، يشكل سببا في انسجامهم معه ، واتباعهم لرسالته ، وذلك لما للنخبة ـ في اعتبارهم ـ من عمق في الفكر ، وامتداد في حساب العقل ، والقوة ، والمستوى الاجتماعي ، ولكن المحيطين به كانوا من الجماعة المرذولة ، التي تمثّل الطبقة السفلى في المجتمع من جهة الذهنية والامتيازات والثروة الاقتصادية ، وهم من الفقراء والمساكين ، ولم يأت إيمان هؤلاء عن تأمّل أو تفكير ، بل جاء انفعاليا سطحيا سريعا ، لرغبة في الحصول على موقع ، أو لضعف في الفكر ، وهذا ما تمثله كلمة : (بادِيَ الرَّأْيِ) أي قبل التأمل ، وهو الرأي الذي يبدو للذهن لأوّل وهلة ، كخاطرة سريعة طارئة.