إنه المفهوم الخاطئ في تقييم الأشخاص باعتبار مستواهم الاجتماعي والاقتصادي أساسا للتقدير ، بدلا من المستوى الروحي والفكري ، كما أنّ هناك انحرافا في تحديد القاعدة التي يرتكز عليها الإيمان ، فإن الأساس فيه هو التفكير في طبيعة مضمون الدعوة الموجّهة إلى الناس ، للحكم على ما تشتمل عليه من عناصر الخطأ والصواب ، لا التطلع إلى طبيعة الأشخاص الذين يؤمنون بتلك الدعوة ، فالعقيدة لا بد أن تخضع للمعاناة الفكرية الذاتية ، لا للتقليد والمحاكاة للآخرين.
(وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) وهذا هو الأمر الثالث الذي يرونه مانعا من اتّباعه ، فهم يرون الإيمان بالرسالة امتيازا اجتماعيا يقدّمه المؤمنون للداعية ، أو للرسول ، لتبوّئه مركز القيادة للمجتمع ، فلا بد من أن يكون له بعض التميّز في المستوى الاجتماعي ، لجهة امتلاك الجاه ، أو المال ، أو القوة ، أو غير ذلك ، ليتقبل الناس الخضوع له من موقع القيمة الطبقية التي يتمتع بها ، بينما لا يمتلك نوح والمؤمنون معه ، شيئا من تلك الفضائل يصلح أساسا لاتباعهم ، (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) لأنكم لا تملكون قاعدة «صدق» تتأسس على مستوى اجتماعيّ أو موقع مالي وغير ذلك ، لذلك ليست دعوتكم سوى وسيلة من وسائل الحصول على النفوذ الذي تفقدونه ، لا الإيمان الذي تعتقدونه.
* * *
كشف الخطأ
فما ذا كان جواب نوح؟
(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) ، وهو هنا يناقش ما استبعدوه من فكرة النبوّة للبشر ، ليؤكد أن مثل هذه الأمور لا تخضع لمثل هذه الطريقة في التفكير ، بل تخضع لقيمة الدلائل والبراهين التي يرتكز