يا نوح لا تبتئس من قومك
وانتهت مهمة نوح في الدعوة ، فقد استنفذ كل التجارب والأساليب ، فلم يؤمن له إلا نفر من قومه ، أما الباقون فقد ازدادوا تمردا وطغيانا ، فلم ينفع ترغيب معهم أو ترهيب ، بحيث لم يبق أمل في هدايتهم وإيمانهم ، وجاء دور العذاب ... ولكن الله أراد أن يعلن ذلك لنوح بأسلوب ينعش روحيته ولا يشعر معه بالهزيمة ، أو بالتقصير ، لقيامه بمهمته كنبيّ خير قيام ، وصبره علي ما لا يملك عليه أحد صبرا خلال مسيرة دعوته التي امتدت طويلا ، امتداد عمره ، دون تأفف أو ضجر ، ولم يسقط أمام كل تحديات الكفار.
(وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) من كفر وعصيان لأنّك قد أقمت عليهم الحجة بمختلف الوسائل ، ويسّرت لهم كل سبل الهداية فامتنعوا عن السير فيها ، وبذلك فإنهم يتحملون مسئولية أفعالهم كلها ، فلا تتعقّد من جهتك الشخصية ، لأنك لم تقصر ، ولا من جهتهم فهم لا يستحقون الرحمة ، التي رفضوا إسباغها عليهم في ظل الالتزام بدين الله ، ولا تلتفت إلى كل هذا التاريخ الشاقّ المليء بالجهد والمعاناة ، فقد أدّيت رسالتك ، وقمت بمهمتك خير قيام ، ولم يبق عليك إلا أن تساهم في الإعداد لمرحلة العذاب ، استجابة لطلب الله في نطاق قدرتك.
* * *
نوح يصنع الفلك
(وَاصْنَعِ الْفُلْكَ) أى السفينة (بِأَعْيُنِنا) أى برعايتنا ، باعتبار أن عمله كان بنظر الله بحيث لا يستطيع أن يمنعه أحد من ذلك (وَوَحْيِنا) في ما أمره الله ، وفي ما علّمه من طريقة الصنع ، ومهّد له من تبيان وسائله ، (وَلا تُخاطِبْنِي فِي