مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ) ، فذلك هو ردّ الفعل على الموقف ، ولكنه يختلف في دوافعه عما انطلقتم فيه ، فإذا كانت سخريتكم ناشئة عن عقدة ، أو عن جهل لطبيعة العمل الذي أقوم به ، فإنا نسخر منكم من موقع اطلاعنا على النهاية السيئة التي ستنتهون إليها ، (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) من دون أن تشعروا ، أو تفكروا ، أو تواجهوا ذلك بجدّية ومسئوليّة ، فإن من يرقص في مأتمه ، أو يعبث بما يمثل قضيّة المصير عنده أدعى للسخرية مما تسخرون منه ، لأن مقدار العبث فيه أشدّ من العبث الذي تتصورونه في صنع السفينة ، التي ستكتشفون أن صناعتها أمر جدي كل الجدّية لا مجال فيه لأيّ عبث ، أو جهل ، أو ما يشبه ذلك.
* * *
المواجهة بالفكر ليست دائما ناجحة
وهذا هو الأسلوب الذي نستوحيه ، في مقام الدعوة إلى الله ، عند ما يعترضنا الكافرون بأسلوب السخرية ، لتمييع الجوّ المحيط بالدعوة ، وتعريضه للضحك والعبث بهدف إسقاط الدعوة ، لا سيما إذا وقف الداعية للدفاع عن الفكر بأسلوب جدي ، واستخدم في ذلك أدلّة علميّة ، فإن الجوّ الضاحك العابث يحوّل ذلك إلى مادّة جديدة للسخرية ليحطّموا وقار العلم الذي يمثله الفكر بأدوات الجهل ، مما يجعل من الموقف الجادّ موقفا خاسرا على أكثر من صعيد. ولذلك فإن الموقف الحكيم هو مواجهة هؤلاء بأساليبهم ، سخرية بسخرية ، واستهزاء باستهزاء ، لإحداث صدمة قوية عند المستهزئين تسقط موقفهم ، وتهزم أساليبهم ، فيتراجعون أو ينهزمون ، في حيث يقف الداعية موقف المنتصر المتماسك ، الذي لم يسمح للعبث أن يحطم موقع الجدّ من فكره ، ولم يدع للضعف أن يقترب من شخصيته ، لينعكس ذلك على موقع الرسالة الثابتة في ساحة الحق.
* * *