خطّ السير ب (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) فهي تجري باسمه وبإرادته وبقدرته ، وترسو وتقف باسمه وبإرادته وبقدرته ، (إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) فهو الذي يغفر لنا ذنوبنا التي أسلفناها بلطفه الإلهي ، وهو الذي يرحمنا في ما ننتظره من رحمة الله في كل أمورنا المستقبلية.
* * *
الولد العاق
(وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ) وسارت السفينة بهم وارتفع الموج حتى كاد أن يصبح كالجبال في علوّها ، وأيقن الجميع هلاكهم عند ما أخذ كل شيء يغرق. وأسرع الكثيرون يطلبون الهرب ، ومن بينهم ابن نوح الذي كان قد تمرّد على أبيه ، فلم يؤمن بدعوته ، وعاش مع قومه تحت تأثير أمه ، في حركة الكفر ، حتى إذا جاء أمر الله لم يصعد إلى السفينة مع من صعد ، فنظر إليه نوح وناداه (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ) فقد اعتزل أباه (يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا) فهذا هو سبيل النجاة الوحيد ، (وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ) الذين سينتهي أمرهم إلى الهلاك.
ولكن هذا الولد الضال العاقّ لم يلتفت إلى نداء أبيه ، لأنه يعيش التمرّد ضد رسالته ، أوّلا ، ولأنه لم يعرف طبيعة هذا الطوفان ، ثانيا ، (قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ) ظنا منه بأنه سينجو ، لأن ارتفاع الماء إلى أعالي الجبل ليس أمرا طبيعيا ، (قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) لأن القضية أبعد من الوضع الطبيعي المعتاد لصورة الفيضان عند الناس ، فالمسألة مسألة غضب الله الذي أراد تدمير كل مظاهر الحياة الكافرة للبشرية ، على الأرض ، (وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) وأبوه ينظر إليه في حسرة ولهفة ، ولكنها ليست حسرة الأب الذي يفقد ولده في الدنيا ، بل هي حسرة الأب الذي