أمر الله ، واتبعوا أمرهم ، وهم يعلمون ، بوحي فطرتهم ، أن ما يدعوهم إليه الله هو الحق ، وأنّ ما يدعو إليه هؤلاء هو الباطل ، ولكنهم يضعفون أمامهم ، وتتساقط مواقفهم بسقوط إرادتهم ، والله ـ سبحانه ـ لا يرى للضعفاء عذرا في الاستسلام لحالة الضعف أمام الأقوياء ، إذا استطاعوا أن يأخذوا بأسباب القوة ، ولو بالانتقال إلى موقع آخر يمكنهم من ذلك.
وفي هذه الفقرة إيحاء بأن الغالب في ضلال الشعوب المستضعفة ، هو سيطرة القوى المستكبرة التي تقودها إلى ذلك ، كظاهرة من الظواهر الاجتماعية لتفاوت مواقع القوّة والضعف بين الناس على أكثر من مستوى في بعض المجتمعات.
* * *
درس من تجربة هود
(وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) في ما تمثله اللعنة من البعد عن ساحة رحمة الله ، بما أنزل الله بهم من العذاب ، ليبقى ذلك إعلانا عن الطابع العام الذي يغلب على تلك المرحلة من التاريخ ، ودرسا لكل من يسير في هذا الاتجاه. (أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ) ليظل هود الوجه الرسالي المشرق الذي تلتقي في شخصيته الروح الرسالية المنفتحة على الواقع بكل سعة الصدر ومرونة الصبر ، والإرادة القويّة التي تواجه التحديات بصلابة دون أن تتنازل أو تتراجع أمام تهاويل المخاوف التي تثار حولها ، والحكمة العميقة الواعية التي تواجه بها الذهنيات البدائية لهؤلاء الناس الذين يملكون قوّة الجسد دون قوّة الفكر ، لعملهم على تنمية أجسادهم دون تنمية أفكارهم. لذلك استخدم هو أساليب بسيطة في الدعوة ، حيث تطرح الفكرة ببساطة لا تحوجهم إلى بذل الجهد في فهم الدعوة. وكانت الأساليب العملية في الحركة التي ترقّ عند الحاجة إلى اللين ، وتعنف عند الحاجة إلى العنف ، دون أي تأثير على موقف عاد الكافر المتمرد الذي لا يخضع لتفاهم الحوار ، ولا لتفهّم الفكر ، بل كل ما عنده هو المزيد من الجهل والغرور والكبرياء والتقليد ..
* * *